الخميس، 20 أغسطس 2009

المثلث الذهبي.. والاقانيم الخمسة.. للفن التشكيلي العراقي






المثلث الذهبي..

والاقانيم الخمسة..

للفن التشكيلي العراقي


خالد خضير الصالحي
العـــراق/ البــصــرة
khkhiraq@yahoo.com


1
اتفق الكاتبان: صادق الصائغ في مقاله (واقعية الكم: شفرة المستقبل او عندما تصب العلوم في بؤرة فنية واحدة) الذي نشره في مجلة (تشكيل)، التي تصدر عن وزارة الثقافة العراقية، العدد الثالث ،2009 وفيصل لعيبي في مقاله (المثلث الذهبي في الرسم العراقي الحديث) الذي نشره في الموقع الالكتروني (الفنان العراقي)، على ان مثلثا ذهبيا كان قد تشكل في الفن العراقي كان أثره ضخما في نقل الفن العراقي، وربما كانا يقصدان بشكل اخص الرسم العراقي، إلى تخوم الحداثة الفنية، إلا أنهما اختلفا بالفنانين المشكلين لهذا المثلث الذهبي، فقد اعتبر فيصل لعيبي أول قطب في هذا المثلث الرسام فائق حسن مبررا اعتباره إحدى بوابات الحداثة في الرسم العراقي بأن "فائق حسن حطم تماما الشكل التقليدي السابق وقدم لوحة فنية معاصرة تتميز بالحيوية والحس العالي والمستوى الفني الرفيع - لم تكن جديدة على مستوى الإنجاز الغربي طبعا - لكنها تعتبر ثورة فيما يتعلق بالرسم العراقي- الذي كان يحاول تقليد الأشياء التي أمامه وبحذر اقرب إلى الخوف منه إلى الثقة, كانت ضربات فرشاة فائق من القوة والحساسية والجرأة ما جعل اللوحة العراقية آنذاك تخطو خطوتها الكبرى, مجتازة تلك المحاولات التي كانت سائدة في الرسم العربي المعاصر ... إن ( فائق حسن ) الحساس والعفوي والغزير يشكل الزاوية الأولى في المثلث الذهبي للرسم العراقي الحديث , حداثة وواقعية وحيوية ومرونة لانتقالات مفتوحة على اكثر من أفق . مع فائق انتهى عصر الهواية وتقاليد رسامي النزهات البرئية واللهو وأيام العطل. وبدأ عصر الرسم كفن معني بالمجتمع والبيئة والإنسان , ليس كشكل فقط بل كموضوع أيضا . ومعه أصبحت اللوحة العراقية تملك عالمها الخاص وموضوعها المتميز ومعه دخلت الحداثة ( المودرنيزم ) في الفن إلى العراق ..."، بينما اتفق الكاتبان: الصادق ولعيبي حول اعتبار جواد سليم القطب الآخر في ذلك المثلث الذهبي كونه من وجهة نظر فيصل لعيبي "كان فنانا معاصرا يحاول إيجاد العلاقة الصحيحة بين تراثه الغني وبين الحياة المعاصرة وتقاليد الفن الحديث, وهي قضية شغلت كل الجهد والوقت اللاحق لفن (جواد سليم) ... هكذا جاءت البساطة والتشكيلات المركبة والألوان الشرقية والموضوع المحلي بأسلوب يمزج فن القرن العشرين بالسومريين والآشوريين والمسلمين , من فن (بيكاسو) قي القرن العشرين و فن (يحيى الو اسطي) في القرن الثالث عشر الميلادي, من السومريين إلى التكعيبية", بينما كان من وجهة نظر صادق الصائغ قد عالج "واقعية شكله... بغنائية تعبيرية تنسجم مع تكوينه النفسي، مضفيا على شخوصه انسجاما ورضا يتناسبان مع مزاجه الشخصي ومع تطلعات الطبقة المتوسطة الآخذة في الصعود؛ وبهذا المزاج البهيج التقط جواد جمال التماهي البادي على وجوه الشخوص البسيطة الماثلة أمام كامرته، مجسدا،كما فعل غوغان، جمال السذاجة والبراءة في الحياة البدائية".
يتفق الكاتبان على ان القطب الآخر لحداثة الرسم العراقي هو الرسام محمود صبري (ولد عام 1927) فهو من وجهة نظر فيصل لعيبي "كرس جهده الهام في إيجاد العلاقة الأساسية بين الفن والمجتمع , فمع محمود أخذت الأفكار الاجتماعية الجذرية تبرز في العمل الفني ... أن الفكر الثوري في الفن لم يبرز بمعناه الجمالي والفلسفي والاجتماعي إلا مع ( محمود صبري ) والى حد ما( جواد سليم ) و (شاكر حسن آل سعيد 1925 – 2004 ) في خمسينيات القرن الماضي ... ان أعمال هذا الفنان شهادة عميقة على العلاقة القوية بين الفن والمجتمع وتطور الوعي ودور المثقفين في ذلك"، وبذلك يسقط فيصل لعيبي المرحلة الأهم من انجازات محمود صبري أي واقعية الكم التي لولاها لما احتل محمود صبري أهميته التي احتلها الآن، ... بينما كانت أهميته، عند الصائغ، تتمثل في "ان نظرية اكتشاف المخفي القائم ما وراء الواقع، اتخذت لديه وجهة أخرى، فقد لوحظ، منذ البداية، انه كان الأكثر اهتماما، بشواغل الفلسفة والهم الاجتماعي، كما انه كان الأكثر ميلا إلى ان يتخذ هذان الهمان مكان الصدارة في لوحاته"
ويذكّر الصائغ ان البعض قد صعب عليهم وهم يتتبعون أعماله الأولى ان يستجيبوا لرغبته، فيلقوا عليها ستار النسيان،... وان الكثير منهم، وربما كان محمود صبري احدهم، مازالوا يضمرون حنينا لذلك الحضور الغائب لتلك الأعمال، ففضلوها على (المتاهات) التي تضعهم فيها واقعية الكم.
ويعتبر صادق الصائغ القطب الآخر هو الرسام شاكر حسن آل سعيد، الذي انشغل، من وجهة نظر الصائغ "في بداياته بالهم الواقعي نفسه ، متجنبا هو الآخر، الاعتماد على المعنى الأحادي للشكل،متهجسا ملامح جديدة يخفيها المجهول... وفي مرحلته الأخيرة، اتخذ شاكر، انطلاقا من روحانياته، الحدوس الصوفية والمغيبات والعقل الباطن، طريقا لتفكيك المنظور الواقعي وإعادة تركيبته من جديد، ونظرا لاهتماماته الفلسفية الموازية لاهتمامات صبري، فقد ثبت رؤيته الفلسفية هذه في بيانين تشكيليين: البيان التأملي الأول والبيان التأملي الثاني، وفي كلا البيانين كانت الحقيقة الجوهرية التي بحث عنها شاكر، وكذلك تلك التي بحث عنها جواد ومحمود، حقيقة أيديولوجية، أي أنها صورة الواقع الخارجي مع إيقاعات جمالية ترتكز على بنية التكوين، باعتباره الموضوع المركزي لجماليات الشكل".

2
لقد أثارت آراء كل من الكاتب صادق الصائغ والرسام فيصل لعيبي عندنا ملاحظات كثيرة منها ان: الفن العراقي المعاصر قد نشأ، منذ لحظات تأسيسه الأولى، في خضم الحداثة العالمية، وخلال مرحلة مهمة في الفن العالمي، وان كل الأساليب المدرسية الانطباعية التي قدمها الفنانون العائدون من مقاعد الدراسة في الأكاديميات الخارجية التي درس فيها المبعوثون الأوائل، ليست إلا أساليب مدرسية تعلموها لأغراض تعليمية فتحجر البعض بها بسبب ضعف ثقافتهم البصرية، كما ظل البعض مكتفيا بها، ومنهم فائق حسن الذي طور تقنية عالية في الفن الانطباعية شفعت له وأهلته ان يكون المعلم الأول في الفن العراقي كمدرس فن، وذلك برأينا لا ينتقص من قيمته كمبشر بحداثة بصرية قائمة على شيئية اللوحة، الا ان فاعليته الاساسية كوته معلم رسم من طراز انطباعي رفيع.

3
نعتقد أيضا ان الكاتبين الصائغ ولعيبي كانا يتجهان إلى نقطة واحدة من اتجاهين مختلفين، فقد كان (التعبير عن الروح المحلية بأساليب اللوحة المسندية الحديثة) هو الأمر الحاسم لديهما معا، إلا أنهما اختلفا في الانجاز الأهم لكل رسام ليؤهله ليكون ضمن متجه الحداثة، ففيما اعتقد فيصل لعيبي ان قدرة الفنانين على الامتثال لتلك اللازمة هو الأمر الحاسم والمهم في حداثيتهم، وهو ما توفر لهؤلاء في مراحلهم الأولى، كان الصائغ يعتبر الأمر الأكثر أهمية يتمثل بقدرة الرسام على إعادة تعريف تلك اللازمة القبلية والخروج بنتائج (جديدة) منها، وهو ما فعله هؤلاء في مراحلهم المتأخرة التي اعتبرها الصائغ الجزء الأهم في انجاز هؤلاء وامتثالهم لشرط التعبير عن الروح المحلية بأساليب حديثة، فكانت واقعية الكم وبغداديات جواد سليم والمرحلة التجريدية (البعد الواحد) عند جواد سليم مراحل مهمة وشرعية في تأسيس فن محلي ممتثل للحداثة، وهذا هو السبب الذي جعلهما يغفلان اعتبار كاظم حيدر واحدا من اقانيم الفن العراقي بسبب كونه شكل مرحلة وسيطة لم تمتثل لشروط الكاتبين وتعريفهما وربما ذائقتهما، رغم ان تجربته تعد ، برأي الكثيرين، واحدة من أهم المراحل الانتقالية في الفن العراقي بين مرحلة الخمسينات، او مرحلة الرواد، وبين مرحلة الستينات التي وضعت الفن العراقي وفن الرسم منه بشكل اخص على تخوم الحداثة فكان الرسام كاظم حيدر رأس الحربة في ذلك من خلال منجزه وخاصة معرض الشهيد الذي بشر بجيل جديد في الفن التشكيلي العراقي هو جيل الستينات.

4
نحن نعتقد بحاجتنا إلى ننفض أيدينا من شرط (التعبير عن الروح المحلية) باعتباره لازمة قبلية لصفة الرسم ولصفة الحداثة، ونعيد تقييمها باعتبارها ليست سمة موضوعاتية قدر ما تكون قيمة بصرية ليس إلا؛ وبذلك فسيكون المجال رحبا لإعادة تعريف قيم الحداثة في الفن العراقي واعتبار منجزات هؤلاء الرسامين في مراحلهم الأولى والتالية بوابات شرعية لحداثة الرسم العراقي التي فتح أبوابها هؤلاء ورسخت حضورها الأجيال اللاحقة لما بين الخمسينات والستينات، واعتبار كل من: فائق حسن وجواد سليم وشاكر حسن آل سعيد ومحمود صبري وكاظم حيدر اقانيم مهمة في تأسيس حداثة الفن التشكيلي العراقي القائم على مرتكزات بصرية أكثر منها موضوعاتية، ونعيد تشكيل مفاهيمنا وقيمنا على أساس ان تحقق الواقعة الشيئية هو الأمر الحاسم في أحكامنا بشان فن الرسم في العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق