الأحد، 25 ديسمبر 2011

الى سلام الناصر .... مايشبه الرثاء

الى سلام الناصر .... مايشبه الرثاء


نَمْ بسلامٍ؛

فالقبرُ كافٍ لحاجاتِكَ الصغيرةِ

1

حين باغتني القاص ناصر قوطي بخبر موت الشاعر سلام الناصر، كنت وقتها في جريدة طريق الشعب، قبل سفري الى مدينة دهوك بقليل، فالتفتّ لحظتها الى الناقد ياسين النصير، محاولة ان ابوح عبره للحاضرين بشعوري في ذلك الموقف، قلت بأن سماع خبر موت (احدنا)، نحن المشتغلين بالكتابة والابداع، كاف ليثير في اوصالي رعدة من الرعب؛ فاشعر لحظتها ان مكانا سيشغر في خط المواجهة الاول في جبهة الثقافة العراقية امام الموت الذي يهددها بالتآكل، فأمتلئ شعورا ان على احدنا ان يردم ذلك المكان الشاغر بنفسه في خط المواجهة ذاك، واشعر لحظتها ايضا ان المسافة التي تفصل بيٍن الاحياء منا وبين الموت غدت، بعد هذا الحادثة، اقصر مما يجب..



وكعادتي، كانت مواقف الموت هذه تصيب مني مراكز التفكير، والكتابة، والقول بعطب فوري؛ فأشعر ان الكلمات لا تخرج مني طيعة وكانني اعاني غصة مميتة، فلم يكن سلام الناصر انسانا: شفافا، وجميلا، وزاهدا بالحياة وبالمطامع البشرية الزائلة فقط، انما كان عابدا، ناسكا في محراب الشعر الذي كان عنده عبادة تكفيه مؤونة الدنيا التي لم يكن يأمل سوى من الشعر شفاعة على مِحَنِها.. فقلت لنفسي ها انتَ اذن تستفيق بعد الاخرين، عقب موتهم، ولم يعد هنالك مايمكنك قوله، فنحِّ القلم جانبا؛ وانتحب قليلا؛ فالدموع لا تغسل المآقي وحدها؛ فدعها تزيل عنك ادران الحياة، ومخلفات احزان الدنيا..

2

يا صديقي سلام الناصر! .. نم بسلامٍ

ودَعِ الدنيا لنا نحن الطامعين بها

اكتفِ بزهدِك الجميلِ

واعرضْ عنها كما كنتَ فينا

****

حدّقْ في قبرِكَ الذي يبدو واسعا

وكافيا لحاجاتِك الصغيرةِ

حدّقْ طويلا بنوافذِ قبرِك المؤصدةِ

وعلّقْ اكفانَكَ بقضبانِه

تذوّقْ طعمَ هواءِ الارضِ قبل ان تغادرَها

وتنشّقْ رائحةَ ترابِها

****

لا تلتحقْ بالجموعِ التي سبقتْكَ

فدعْ خطواتِكَ وحيدةً كما كنْتَ بيننا

كانتِ النوافذُ والشرفاتُ تدعوكَ اليها

فألقِ أحجارَكَ السبعةَ

فنحنُ لا نستحقُّ من هذه الدنيا الا إيّاها!

****

اضحكْ في سرِّك علينا

فلقد ارحْتَ كاهلَكَ من كلِّ الأثقالِ

وها انتَ مهيّأ للطيران!

****

ياصديقي سلام الناصر

سلام لك مني

وسلام عليك:

يوم ولدت، ويوم متّ، ويوم تبعث حيا!