السبت، 11 يونيو 2022

 معرض النحات محمود العبيدي

 

الحرب .. نموذجا إستعاريا

من الخراب المادي الى الخرب المفاهيمي

 

 

                                                             خالد خضير الصالحي

 

 
















































يمكن اعتبار تجربة النحات محمود العبيدي التي قدمها في معرض (فتات) جزءا من توجه عريض من تقنيات فن (تقنيات الخراب Ruins Technique ) الذي نظرت فيه الرسامة الدكتورة هناء مال الله باعتباره فن مرحلة ما بعد الدمار العراقي، والذي برأيها يشكّل تقنيات الخراب بما فيها من حرق وتدمير وإزالة للمادة الخام واسباغ مظهر الاسى الذي تبثه، والتي صنفتها تحت مصطلح (تقنيات الخراب)، هذه التقنيات التي امتلكت وجودها كتمثيل لوجه الحرب البشع، سواء عبر تقديم فكرة الحرب والخراب بطريقة مباشرة، او عبر انزياحات مفاهيمية كما قدمها النحاتان احمد البحراني او محمود العبيدي في معرضه هذا، او عبر استغلال جوهر عمليات التدمير للمادة الخام كما فعل رسامو جيل الثمانينيات في اعمالهم لتبليغ (بث) مفهوم الحرب، بغض النظر عن موقع حدوثها الجغرافي، ومفهومها السياسي.

يقوم معرض (فتات) للنحات العراقي محمود العبيدي الذي اقيم في قطر على الاستعارة (كولاج) جوهرا لبناء تجربته، باعتبارها الية لاندماج الصور، ولخلق تنافرها معا امعانا في الخراب المفاهيمي للانساق التي تم التواطئ عليها اجتماعيا واقرارها، وتحديدا باعتبارها عملية اندماج حقلين صوريين، وما ينتج منهما من تفاعل يسمى (التشاكل الصوري)، وهي الية ادركها، وطبقها بعمق، ثلاثة من اكبر مبدعي السوريالية، هم: سلفادور دالي،ورينيه ماكريت، وماكس ارنست، حينما كان هؤلاء يجرون عمليات جمع مبالغ فيها بين حقلين صوريين وبشكل غرائبي احيانا، اتذكر زرافة ماكس ارنست التي تستقر في كاس الوسكي، ومن المعروف في اسرار البلاغة ان الحقلين الصوريين المكونين للاستعارة  اذا كانا متماثلين فان الصورة او الاستعارة الناشئة منهما تكون باهتة ولا حياة فيها، وهو ما ادركه العديد من الرسامين، والنحاتين وبدؤوا الاشتغال عليه، ومنهم النحاتان: احمد البحراني في معرضه (ماذا لو) الذي اقامه هذا العام، ومحمود العبيدي في معرضه هذا الذي اقامه في (قطر)، حينما كان هذا النحات يقوم بقسر صورتين، نموذجين ما ديين او مفاهيميين، على التعايش القسري معا.

لقد كان المنظٌر الرسام شاكر حسن ال سعيد أحيانا يصف آلياته في التأليف بأنها (كولاجية)، لأنه يقوم فيها بإعادة جمع مقالاته السابقة و(اعادة تأليفها) في كل مرة، وهو ما يمكن تعميمه على الاليات التوليفية التي ينتهجها محمود العبيدي، فيمكن تخيل عمله بأنه يتألف من مرحلتين منفصلتين ومتتامتين، مرحلة أولى تتضمن صنع النماذج المفردة: طائرة مقاتلة، وسيارة لاندروفر، ومجموعة تماثيل رافدينية منفردة ومتنوعة، ومرحلة ثانية: تتضمن خلق الانزياح الضروري للفن، الذي هو فنْ يتم بناؤه عبر خلق وقائع استعارية يتم انشاؤها من خلال جمع حقلين (صوريين): من حقل معاصر فيه طابع تكنولوجي معدني: طائرات، مصفحات، مع حقل اركولوجي بنسخه منحوتات عراقية قديمة طينية مفخورة في نماذجها الاولى، وتكون المنحوتة المركبة اما مربوطة بمسافة حيوية نتيجة تجاور المنحوتتين، وهي الية يفهمها جيدا ويوظفها السينمائيون، او ان يقوم النحات بربطها بطريقة ما قد تصل احيانا الى تكتيفها بحبال القنب كما قامت شياطين العالم الاسفل بربط تموز وسوقه الى العالم الاسفل، وبذلك تكون تقنية الخراب قد تعدت الاشتغال على المادة الى الاشتغال على توظيف خراب المفاهيم الذي خلفته الحروب التي وقعت في العراق.

نشرت في صحيفة المدى العراقية في 2016/11/26 (https://almadapaper.net/view.php?cat=160321).