الثلاثاء، 4 يوليو 2023


 كتب الصديق الاعز الدكتور خليل الطيار مقالات (هي في الحقيقة ملاحظات أولية في الفيس بوك) قصيرة بعدد كلماتها غنية بعمق معانيه، نعيد نشره هنا شاكرين له ذلك ببالغ درجات الامتنان:

1

تحرير الاطار في تخطيطات خالد خضير 

٠ خليل الطيار


منذ أن جَرَّ "خالد خضير " أول خط على نطوع رسومياته ووضع نُقَطهَا، كان يدرك أن "تأطير اللوحة" سيقيض حدود البوح فيها، ويُعجزها عن احتواء فكرته، فحررها منه.

هذا التحرر من حدود الاطار ، ترك له مساحة مفتوحة، غير مقيدة بربقة التوازنات الفنية المشروطة، فهو لا يرسم داخل مساحة، وإنما يتجول في عوالم.

لذا لا نجد في لوحته مكانا محسوسا أو ملموسا بل نعثر فيها على أفكار متعددة!

فهي لوحات مفتوحة الافق تستوعب علامات "سيميائية" تنقط له ما يريد تكثيف التعبير عن دلالاتها.

فهي مسرودات نقطية لا تقبل اَلتَّكَيُّف مع الكم ولا تقبل تحديدها بسرد مكتوب ينتهي معناه عند نقطة رأس السطر!

مواضيع رسومياته تحتوي على مكنونات متشعبة يستعيض لسردها بالرمز والاستعارة والتماثل والتشابه. وسرعان ما تنفلت منها العديد من موروثات ثقافته المكتنزة في مدياتها، ما تنفك ترمي بضلالها بقوة في لوحته فنجد له تماثلا لرقعة الشطرنج التي يجيد رسم استراتيجية تنقلاتها مستفيدا من تشكلات مربعاتها الميدانية. كما نجد في لوحته آثارا من النقوش والمنمنمات الإسلامية والآثارية كما في توظيفه لرسمه السعفة السومرية، يماثل فيها ما يتفلت من تشبع مخيلة بيئته المحلية حيث تشكل سعفات "نخيل البصرة" إرثا في ذاكرة لوحاته التخطيطية .

كما تترك موروثات قصص كليلة ودمنة والف ليلة وليلة تأثيرها عنده، وهو يستفرغ صياح ديكة شهريار المخلصة من قهرية العذابات والموت المحتوم!

وطالما بقيت علامة الرأس المقطوعة، في تشكلاتها الحسينية المفجعة، تحملها قواعد تخطيطاته دائما ، والتي يحاول أن يترك فيها أثرا لخياطة أوجاع جسده النازف.

لو تتبعنا مسار خطوطه وتنقيطاته سنجد أن رسوميات "خالد خضير" تعتمد طريقة السبك المتداخل والمترابط، رغم تزاحم الخطوط والنقاط في منقوشاتها . فهو يعتمد طريقة الحائك الماهر الذي يجيد فن وضع "العقدة" الأولى لسجادته وهو يدرك مسبقا مكان إنهاء عقدتها الأخيرة مهما طال مداها ….

 

2

الخط نقطة تتنزه

د. خليل الطيار

هذا ما يقوله المنظر بول كيلي في كتابه الثمين والمثري نظرية التشكيل"

وربما يُعد هذا القول مفتاحا لتعقيب حركة الخطوط في تخطيطات خالد خضير النادرة التشكل، فهي تنطلق من نقطة ابتداء تاخذ طريقها لتتنزه في معمارية لوحته البعيده المدى … لكن خالد خضير لا يسمح ان تكون هذه النزهة استجماما عابرا بل يفرض على نزهة نقطته الاولى ان تحدد معيار رحلتها ويرسم مواطن توقفاتها لتسهم باكتشاف عوالم يدع نقاطه تتربع على حروف معانيها المكتشفه، فهي عوالم غرائبية ، تخرج من مرجعية ثقافية متعددة الاوجه ،تترك اثرها بقوة في لوحاته ولا تقبل ان تنتهي عند حدود نزهتها المتناهية في رحلة انطلاق داخل تخطيط محدد ، بل تنظر لتستريح وتعاود رحلتها في تخطيطات اخرى سنجد لها استكمالا لما تركته من انطباعات وعوالم تفرض نفسها للظهور بقوة في لوحاته الاسرة المتعاقبة فلا يمكن معرفة مدى حدود جغرافية نقطته الا بمشاهدة كل تخطيطاته لنصل الى المنتهى وبالكاد ستتوقف، لانه يبقي نقاطه تتنزه مسترخية بحرفية عالية لتدلل على اتجاهات رحلتها ، وتتعرف على عوالمها، وتعرفنا بها في ذات الوقت .


3

تجاوز الحدود التصنيفية والاسلوبية 

لا اعلم لماذا لم يطور خالد هذه البدايات المدهشة لاشتغالاته التخطيطية المثيرة في مفاهيميتها واسلوبيتها الفريدة

اجد ان انشغالات خالد خضير بالجانب النقدي ضيع علينا فرصة الحصول على فنان مثري كانت له بدايات تفصح عن مستقبل لمشروع فنان تشكيلي كبير

"اللعنة على النقد لم يبق لي من صديق ".

انها"تخطيطات خالد خضير تتجاوز حدودها التصنيفية  ووجدت فيها اسلوبية حديثة للوحة تشكيلة تضع مجس السيميولوجيا مرتكزا لسرديلتها فهي اعمال تضطرك الى الحفر في اخاديدها  الى ما لا نهاية ولا يمكن حصرها بعنوان محدد فهي اقرب الى المتون منها الى الحالة المعنونة".

ان لوحة خالد خضير التخطيطية تمتلك كل مقومات معاييرها الجمالية لانها تؤسس على ارث معرفي غزير، فهو لا يترك فيها اثرا لثغرة، شكلا ومضمونا، لانه الناقد الاول لها وبصرامة، ناهيك عن ان اعماله تعد مصفوفة شطرنجية، امتلك خبرة عريقة في رقعتها لاعبا ومدربا، يجيد من خلالها فن التلاعب بنقلات مصفوفاته البصرية، ويستوعب بحكمة متى يعطي قرار كش ملك لاحكام قبضة سرديتها؛ فتخرج لوحاته التخطيطية من يد لاعب مهاري يجيد فن صناعة نجاحها مسبقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق