الفوتوغرافي
زيني سعيد..
تركز الرؤية
بعين السيكلوب!
خالد خضير
الصالحي
خلال احتدام
جائحة كورونا استضافت الجمعية العراقية للتصوير، في برنامجها الثقافي الأسبوعي
الذي كان يجري على منصة برنامج الزوم (ZOOM)، المصور الفوتوغرافي زيني سعيد، الشاب الذي
ابتدأ التصوير الفوتوغرافي قبل بضع سنوات، وقدم في الجلسة اضمامة من صوره
الفوتوغرافية التي تنوعت على ثيمات متعددة كانت أهمها وضوحا، وشكلت مركز الاهتمام
الأول، هي تصوير الحياة اليومية المعيشة التي يصورها بعناية، ولكن مع حرص شديد على
العناصر الفنية للصورة من خلال فنون استخدام الكاميرا لأنه قليلا ما يوظف تقنيات
المعالجة ما بعد التصوير؛ فكانت الصور الفوتوغرافية لزيني سعيد، في غالبيتها،
لقطات مفتوحة، وتبدو (اقتناصا) لفرصة التقاط الصورة، كما يحلو له وصف اللقطات غير المخططة
التي انتجها، وهو ما تصفه سوزان سونتاغ بانها (الطبيعة الاغتصابية) للفوتوغرافيا
التي تمنحنا "حقنا في المراقبة"، او ربما حقنا في التلصص على العالم
وعلى الاخر.
ان الصور
غير المخطط لها يخفت فيها صوت البطل المهيمن، وسطوته في غالبية الصور باستثناء البورتريتات،
ولكن حرص زيني سعيد على الحفاظ على بؤرة لامة للتعبير، قد تتمثل أحيانا بالتفاتة
بسيطة تجلب اهتمام المتلقي، فتشكل ما يسميه رولان بارت الـ(بونكتوم)، او البؤرة
اللامة للقطة، في كتابه الشهير (الغرفة المضيئة..
تأملات في الفوتوغرافيا)، وكثيرا ما كانت تلك البؤرة اللامة عين احد شخوص الصورة وهي
تقوم قام (الوخزة) الضرورية للصورة، وقد يمكن ان نسميها (البؤرة التعبيرية) في الصورة، حيث يمتد الخط التعبيري من
خلالها بين المتلقي وبين الصورة، وغالبا ما تكون تلك العين المحدقة في تفاصيل
الحياة اليومية، عين ابرز ابطال الصورة.
ان اشد
الصور تعبيرية في تجربة زيني سعيد صوره التي يهيمن عليها الكونتراست التي انتجها من
اجل كبح قدرة الألوان على جذب عين المتلقي وتوجيه عملية التلقي، فصور حياة عمال
صناعة الطابوق التي تفتقر بالأساس الى وجود الألوان في الواقع، وصور البورتريه التي
يكون البطل فيها بعين واحدة لسبب ما، فقد صور زيني سعيد عدة لقطات يمتلك فيها
البطل عينا واحدة سليمة، فصور امرأة عجوزا من مدينته (الديوانية) بعين واحدة، وصور
رجلا إيرانيا بعين واحدة والأخرى مطفأة بسبب الماء الأبيض، فكانت خطوط التلقي كلها
تلتقي في البؤرة التعبيرية للعين السليمة لتتجه بعد ذلك لاستطلاع أشياء الواقع
المحيط.
إذا كان
الفوتوغراف يبنى بالضوء الذي يبدد الظلمة، تماما كما هو جوهر السينما الذي تشترك
به مع الفوتوغراف، فان زيني سعيد يبني يعتبر السواد، وتحديدا الكونتراست، كجوهر مادي
أهم في بناء صور البورتريت، حيث اتساع هيمنة السواد الذي يمنح الصورة تعبيرية قوية،
مما جعل اشتغالاته في هذا النمط من الصور وكأنما كان يشتغل على التباين اللوني بين
الضوء والظلام (الظل).
يتفنن زيني
سعيد توظيف زاوية التقاط استثنائية في بعض الموضوعات، فقد صور عمال الطابوق من
مكان مرتفع على سطح كورة صناعة الطابوق بزاوية نظر (عين الطائر) فكانت سحنة الغبار
والابخرة والدخان الأسود المتصاعد من الكورة.. فكان للقطة دلالات تعبيرية قوية،
كما انه يوظف بعد عين الكاميرا من وجه النموذج المصور فكان يبدو وكأنما يحاول
الدخول بكاميرته الى دواخل النموذج.
لا يضع علي
زيني من اهتماماته توثيق اثر ما بالمعنى التاريخي للتوثيق، انما يهدف الى (تسجيل)
انطباع سريع لحدث ما، ليلاحق تفاصيل حياة الناس في القرى الجبلية وفي اهوار
العراق، من خلال لقطات لأطفال يلعبون، وامرأة
تكنس باحة الجامع، فتاة صغيرة تنظر من ثقب في زجاجة مكسورة، او من ظلفة الباب،
فتاة صغيرة تهم باجتياز زقاق قصير،
ان الرغبة
العارمة التي تتلبس زيني سعيد من اجل خلق حركة ما داخل الصورة وان كانت طفيفة في
صور الببورترت الساكن من خلال دخان سيجارة النموذج الذي يصوره زيني سعيد.