الفوتوغرافي
عبد الرحمن عدي..
تحوّل الحياة كلها
الى (بورتريت) بالأسود والابيض
رغم ان التصوير الفوتوغرافي فعالية قديمة في اهتمامات، ونشاطات عبد الرحمن عدي، ولكنه مازال يؤكد ان البداية الحقيقية له كانت فوزه بالجائزة الأولى في مسابقة فوتوغرافية كانت قد جرت في المانيا عام 2003 وشارك فيها 150 مصورا فوتوغرافيا من مختلف بلدان العالم؛ فكانت تلك بدايته الحقيقية.
لم تجعل فكرة المماثلة مع اشكال الواقع في
فن الفوتوغراف، الامر صعبا على الفوتوغرافي عبد الرحمن عدي في التعامل مع الصورة
الفوتوغرافية باعتبارها واقعة شيئية (مادية)، فحصل على مكاسب حقيقية في بناء صورنه
الفوتوغرافية باعتبارها حقلا ماديا تتم فيها تجارب اللون والتكسجر والعناصر
المادية للصورة الفوتوغرافية بالاسود والأبيض التي هي بطبيعتها تفتح الباب بقوة
لتناول الصورة الفوتوغرافية باعتبارها واقعة مادية بشكل مماثل للوحة المرسومة اطثر
من الصورة الملونة..
لقد شكل
عنصر الضوء (البياض)، ووجوده السلبي الأسود (الظلام)، العلامة الفارقة في المنجز
الفوتوغرافي للمصور عبد الرحمن عدي، فهو بفضل انتاج صورة فوتوغرافية تترسم خطى الرسم
الزيتي الكلاسيكي لرمبراندت وغيره من الرسامين الذين برعوا في توظيف أجواء الظلام
ومنهم مثلا: جريكو، وكارافاجيو حينما رسموا قصص الكتب المقدسة، حيث الأجواء التي
يغرق فيها الشخوص في حندس الظلام فلا تبين منهم الا الاجزاء الكافية للتعبير عن موضوع
الصورة، وانفعال النموذج (الموديل).
يبني عبد
الرحمن عدي صورته في تصوير البورتريه، على زاويتين متعاضدتين هما: زاوية التقاط
الصورة، وغالبا ما تكون زاوية تقليدية لا انزياح فيها عن المألوف في تصوير
الفوتوغراف، بينما تشكل زاوية الاضاءة، وسعة البقعة المضيئة الساقطة على الموديل، مرتكز
بناء الصورة، وغالبا ما تكون زاوية الإضاءة منحرفة قليلا حيث ان هدفيها الأهم: إظهار
التفاصيل بشكل واضح ودقيق اولا، وطمس معالم بقية الأجزاء غير المرغوب بها من الصورة
ثانيا، وقد تأتي الانارة أحيانا من مصدر شديد الغرابة، واحيانا تأتي من منطقة تقع
خلف النموذج، وبما انه يستخدم مصدر ضوء واحد في الصورة فان الناتج يتسم أحيانا
بنتائج غرائبية في بناء الصورة، ونحن نعتقد بان نجاحه في استخدام مصدر وحيد للضوء
راجع الى أنه لا يحتاج الى الكشف عن مناطق الظلام المعتمة التي يراد منها إخفاء كل
التفاصيل غير الضرورية في كل مساحة الصورة عدا البقعة المضيئة، وان كان ذلك قد
يعطي انطباعا لدى المتلقي بان الصورة قد مرت بعملية تخليق صناعي، ولم تأت بطريقة
ولادة طبيعية..
تتخذ البنية المادية للصورة سمات التصوير الأسود والأبيض
حتى وان انطوت تلك الصورة على بعض (الضربات) اللونية هنا او هناك، فتلك البقع
اللونية تبدو ثآليل صغيرة مقابل التأثير المتعاظم لجوهر الصورة التي يشكل الظلام
والضوء جوهرها البنيوي الراسخ.
ان الايمان
الراسخ لعبد الرحمن عدي بان على الصورة ان تلامس واقع الانسان وحياته، وان اهم
موضوعات التصوير الفوتوغرافي جعله يتجه الى تصوير البورتريه الذي هو في حقيقته
ينقل موضوعات الفوتوغراف من سطح الواقع ويومياته وتفاصيله الى الدواخل
الإنسانية.
ان خلاصة
التجربة الفوتوغرافية لعبد الرحمن عدي، هي انها تجربة كرست نفسها من اجل تصوير
الممحو (المحذوف او السواد)، اكثر من تصوير ظاهر الصورة (البياض) من الواقعة
الفوتوغرافية، فاذا كان النحات الشهير جايكومتي قد وصف الوجه الإنساني بانه غابة
لم تكتشف بعد، باعتبار ان الطاقة التعبيرية التي يتمتع بها الوجه البشري لا حدود
لها، نجد ان الفوتوغرافي عبد الرحمن عدي قد ادخلنا ادغال غابة الوجه الإنساني هذه؛
فتلمسنا صعوبة الإحاطة بتلك الغابة التي لم تكتشف بعد، الا انه بسعيه الحثيث
استطاع ان يخلق نظاما بصريا يلف العالم الإنساني من خلال سعيه
الحثيث الى تحويل من يلتقي بهم الى صورة بورتريت، بل ان الحياة كلها عند عبد
الرحمن عدي تحولت الى صور (بورتريت) بالأسود والابيض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق