الأحد، 31 أكتوبر 2010

النحات العراقي هيثم حسن ... يخلق أساطيره الجديدة بخرق التخوم


النحات العراقي هيثم حسن



يخلق أساطيره الجديدة بخرق التخوم


خالد خضير الصالحي



اقام النحات العراقي هيثم حسن، وبدعوة من جمعية النحاتيين الكنديين، معرضه الجديد (ميثولوجيا) في صالة مركز النحت الكندي في مدينة تورونتو الكندية أواسط تموز القادم، فقدم 24 عملا نحتيا...

                             *******

كتبنا عن تجربتي هيثم حسن السابقتين : تجربة البرونز ثم تجربة المانيكانات؛ فأكدنا إن القدرة الاستثنائية للنحات هيثم حسن على تلمسه جوهر المادة (=شيئيتها) جعله يدرك أن طاقة التعبير التي استثمرها في البرونز طيلة السنوات السابقة قد استنفدت وبالتالي قد شارفت لديه على نهايتها، وصار عليه أن يغيرها هي، لا أن يغير أشكاله أو تكنيكاته فيها، فشعر أن المادة الجديدة المؤهلة للتعبير عن (العري) الجميل يجب أن تقترن بعنصرين مفقودين في تجربته سابقا، ولا يتيحهما البرونز: اللون والضوء.

بينما أسس تجربة حشود المانيكانات مما يبدو وكأنها قالب واحد صنع لينتج جيشا لا حدود له من المانيكانات التي يجري عليها آخر اللمسات التي تعطيها دفق تنوعها الذي يكفل أن لا يكون المعرض وكأنه منحوتة واحدة، كما كان شعوره بالعري الفاضح قد دفعه الى شتى الإجراءات الكابحة التي كان يجريها على كل منحوتة من تداخلات جراحية تجريدية تقتطع أجزاء من الجسد في عملية كبح، ربما لا واعية، للعري الداعر الذي يشعره في منحوتاته ربما بسبب امتلاء أجسادها.

                                        *******

قد يقرأ البعض عناوين منحوتات المعرض الأخير للنحات العراقي هيثم حسن دلالة لاشك فيها على توظيف الأسطورة في أعماله النحتية؛ إلا أننا نعتقد ان النحات، في هذا، يخلق أساطيره الجديدة في النحت العراقي حينما يخرق التخوم، او المياه الإقليمية بين النحت والرسم، ففي بحث استغرق محاولاته الأخيرة، حقق هيثم حسن ثلاثة خروقات مهمة أعانته في مسعاه هذا، وحققت له قطيعة واضحة (ضمن) النحت العراقي : الأول إبداله المواد التقليدية للنحت، والتوجه نحو مواد جديدة كل الجدة في النحت العراقي؛ فلم يعد الطين او البرونز او الخشب، المادة التي ينحت منها هيثم حسن أعماله؛ فقد حسم أمره، وهاهو الآن يستخدم ما يشاء من المواد المطاوعة التي تسع حريته، وتتقبل السبب الثاني، وهو إدخال اللون عنصرا بنائيا في منحوتاته، وليس كما كان يجري، بشكل تزييني، في بعض محاولات التلوين في النحت العراقي سابقا، ومن هاتين الآليتين الحداثيتين استطاع هيثم حسن إعادة النحت، او الأدق الفن التشكيلي، الى عصور وحدته الشكلية، حينما كانت (اللوحة-المنحوتة) ملونة ومجسمة في الوقت ذاته، وثالث الخروقات ان مشخصاته لم منفردة، ومعزولة، فلم يعد يحيطها الفراغ فقط من كل جهة، بل صارت، قبل ان يحيطها الفراغ، جزءا من عمل تشكله أحيانا مشخصات أخرى تتقاسم مع بطل المنحوتة الحيز، وأحيانا يتقاسم هؤلاء الاثنان الفضاء مع خلفية تسكنها : الأرقام، والخطوط، والآثار التي تركها الآخرون، وبذلك فهو يخلق أساطيره حينما يحاول ان يحول الحكاية، بتمظهراتها الشفاهية، والمدونة الى نص بصريّ، نص من العسير قراءته ولكن من العسير كذلك نكران الاعتراف بوجوده... نص اكتمل بوجوده تحول المنحوتة عمليا الى لوحة مجسمة، من خلال ممارسته (الرسم) على أجساد المنحوتات، او الرسم على جدار ليس تام التسطيح تستند عليه المنحوتة محملا إياه ما شاء من الكتابات غير المقروءة، بمعنى أنها لا تشكل نصا ذا معنى، وتكتفي فقط بوجودها البلاستيكي الشيئي، وبذلك تتحول المنحوتة الى لوحة غير مسطحة تستجيب لكل ما يعتقده هيثم حسن جزءا من فاعلية الرسم؛ فكان الاختلاف الأهم بين تجربة المانيكانات والتجربة الأخيرة، ان اللون في الأولى كان يبدو نابعا من المادة الأصلية للمادة بينما تنفتح الآن على تقنية أخرى من خلال اللون الخارجي الذي ينبع من اللون المضاف، لكنه لم يزل تواقا لاستثمار سحر وهيمنة الألوان وتأثيرها على المتلقي، من خلال استخدام اللون مؤثرا دراميا ودلاليا بترك النحات الألوان تقول ما تريد..
وهذا هو التحول الأهم الذي ادخله النحات هيثم حسن ضمن معرضه هذا؛ فشكل برأينا جوهر أسطورة النحت عند هيثم حسن..


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق