الثلاثاء، 2 فبراير 2010

الرسام ثامر داود في معرض حلم ازرق

المتحف الشخصي للرسام ثامر داود..

اللون موضوعا



خالد خضير الصالحي




1

لقد قال شاكر حسن آل سعيد بوجود متحف شخصي للرسام، يخزن فيه إشاراته، وفيه يهضمها، ومنه يستلها؛ فكنت وما زلت أتخيل ذلك المتحف الذي وصفه آل سعيد بأنه أشبه بمرجل ضخم، قد يشابه عمل المعدة، أتذكر هنا المعدة باعتبارها عقبة ابستمولوجية هيمنت على الفكر العلمي في القرون الوسطى كما فصّل ذلك جاستون باشلار في كتابه تكوين العقل العلميّ، أتخيل المتحف معدة، أو مرجلا ضخما تُستقبل فيه الإشارات البصرية، وفيه تتفاعل مع البنى البصرية الراسخة في أسلوب كل رسام، وفيه يتم تمثلها، وإعادة إنتاجها لتشكل جزءا منسجما مع منجز الرسام وأسلوبه في وقت إنتاج اللوحة، ونعتقد أنها هي ذاتها الإشارات الموجودة في تجربة ثامر داود التي عناها الدكتور بلاسم محمد حين اسماها (الذكريات البصرية)، التي يعيدها الكاتب ذاته إلى المدونات العراقية الرافدينية القديمة التي وجدت على الأختام الاسطوانية، ومدونات السحرة، والمدونات الفنية للخط العربي التي كان ثامر داود يستلها ككولاج يستلها بمنتهى الحرص على ان يبقيها محتفظة (بشخصيتها): شخصيتها كقواعد راسخة التزم الخطاطون بها، وطبقوها بحرفية، وانضباط عال، وشخصيتها بمعنى أنها شكلت نصا مقروءا ذا معنى لغوي يقع خارج النسق الجمالي، رغم وجوده ضمن العمل كشكل يحتفظ بجمالية متفردة كفن مستقل بذاته تمت استعارته الكولاجية إلى وسط آخر يحاول ان يتمثله بكيفية ما، وقد يكون الرسام ذاته قد رغب في أي من الاحتمالات أو لم يرغب، فهذا أمر قد لا يعنينا كثيرا هنا، فبالنسبة لنا كان ثامر داود قارئ وثائق جديداً بمعنى من المعاني، قارئاً يستعيد جثث النصوص اللغوية من رقادها الطويل، ويعيد قراءتها جماليا وفق قوانين خارجة عن نسقها الجمالي.

2
كان ثامر داود، في معرضه الشخصي (الحلم الأزرق) الذي يقام في قاعة جاليري روزنفيلد للفنون في مدينة فيلادلفيا من ولاية بنسلفانيا الامريكيى، يخلط أوراق الاجناسية التي تجنس وفقها (اللوحات)؛ فهو يقوم ببنائها وفق مستويين: مستوى غائر، ومستوى سطحي؛ فيبني الغائر من مادة طيعة وجلاتينية، تستجيب لإنتاج علامات احفورية، ينتجها الرسام ناتئة، ربما بأصابعه، وربما بآلة صلبة، تماما كما كان إنسان الكهف ينتج علاماته السطحية بخربشاته التي كان ينتجها بيديه، علامات تومئ من طرف خفي إلى أشكال الصناديق الخشبية لملابس جداتنا، والتي انقرضت منذ مايقرب الخمسين عامة، والتي كانت تصنع الأشكال عليها من طبقة رقيقة من المعدن الملصقة على خشب الصندوق، أو من أشكال تقارب أشكال عظام السمك، أو أشكال مثلثات ثم يقوم: إنسان الكهف، وثامر داود بطلائها باللون الأحادي الذي سيشكل أرضية تنتمي إلى الرسم هذه المرة، فوق الأرضية النحتية الغائرة الأولى، وأخيرا فإنه يضع ما يعن له من الإشارات التي تنتجها هذه المرة الفرشاة التقليدية المغموسة باللون وبشكل باذخ وكرنفالي.

3
شكل اللون عند ثامر داود الموضوع بحد ذاته، فلم يكن للوحة موضوع اخر سواه، وبذلك يلتحم الموضوع بالمادة في واقعة شيئية واحدة تمكث كل تفاصيلها في منطقة (داخل بصرية)، فهو يؤكد في احيان كثيرة بان لوحاته لاموضوع لها سوى مادتها: "ان حبي الكبير للتلوين جعل من اعمالي رموزا ملونة تحمل الوانا حارة بمضمون حزين يحمل آلام الدنيا ومآسيها وانفعالاتها التي حملناها ونحملها معا يوميا. لقد عملت على منطقة بعيدة عن الاخرين حتى لا اسقط في فخاخ الاتباعية، ولكن القرب الحاصل بين الفنانين للعلاقات وتوحد الهموم تجد في الكثير من الاحيان استخدامات متكررة لعناصر متشابهة ورموز من جذورنا, ولكن لكل تجربة فترة مراهقة وتتطور وتكبر وتتخلص من المؤثرات عليها مع الزمن والتجربة والاحتكاك للوصول لرؤية اعمق وفهم اكبر بعيد عن الاخرين".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق