الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

معرض الرسام قيس عيسى

توحيد فاعليتَي:



                   الرسم والتخطيط


خالد خضير الصالحي



1


في غمرة "مشاغله البَصَرية... لإعادة هندسة الوعي بالسطح التصويري"، يقترح قيس عيسى عبد الله، برأينا، واحدة من أهم (انزياحاته) التي حاول تحقيقها في الرسم، حينما حاول ان يعفي الرسم من ان يكون "احد صور الحقيقة"، ومنحه القدرة على بناء منظومته الاشارية المكتفية بشيئيتها ووفق "اختيارات لا حصر لها من المترابطات اللونية والإنشاءات" التي لا تكون بحاجة للعودة إلى أصول قـبـْلية، فهو لا يحتفي لا بالواقع (بالمعنى الضيق للكلمة) ولا بمشخصاته، في محاولة لإعادة تأسيس قوانين (مقبولة) من جمهور المتلقين دونما فرض أية تنازلات على الرسام تجاه أولئك المتلقين أو الرسام أو الرسم، و هو رأي قد يتناقض مع ما ذكره مع الناقد د. عاصم عبد الأمير في مقالته التي نشرت في مطوية المعرض، فقد كانت تلك القطيعة مع مشخصات الواقع هو البطاقة الاولى التي راهن عليها الرسام بامكانية نجاح معرضه الحالي.


2

لقد شخص القاص محمد خضير التكرار في أعمال قيس عيسى واسماه "المنظور التكراري والتوليدي للكتابة"، وكان التكرار يفرض غالبا تكنيكا طباعيا، حينما يقوم بتكرار أشكاله و"كأنه (طبعة) ختم اسطواني، واللوحة تقترح قراءتها في أثناء تدحرجها البصري ونطقها عن نظامها الكتابي" (مطوية المعرض)، وبذلك تفصح اللوحة عن بنيتها الكتابية المشفرة من خلال "توليد الانعكاسات... وفق اقتراحات منظورية غاية في التركيب وتوليد الظلال"، وحينما تقدم بنية طباعية فإن أعمال معرضه تبدو وكأنها أعمال طباعة إلا ان المتلقي يتفاجأ حينما يكتشف ان قيس عيسى كان حريصا على ان يحافظ على فعل الرسم من خلال المحافظة على: اولا: تقليدية اللون (الاكريليك)، وثانيا: تقليدية فعل أدوات الرسم، أي الفرشاة ... وبذلك يكون الرسام قد ولف تكنيكا يحاول من خلاله انجاز أعمال لا تحفل بكل ما يحيطها من حقائق ومن مشخصات، أشخاص تمتلك غوايتها الخاصة، ونرجسيتها الكامنة والمتجذرة فيها.


ينطوي فعل التكرار الذي احتفى به قيس عيسى كثيرا على تقسيم عناصر اللوحة إلى: أولا: متن مكتنز بألوان ومساحات مهيمنة، وثانيا: هامش (أو مدى من الهوامش) يشكل الأصداء المنعكسة التي يمكن ان تستمر بتردداتها إلى ما لا نهاية، فتكون لوحات قيس عيسى (متشابهة بشكل مختلف، كون اللوحة لا يمكن ان تتطابق مع أية لوحة أخرى في منجزه، ومختلفة بشكل متشابه، كون كل لوحاته يمكن ان تشكل بساطا ممتدا إلى ما لا نهاية من الانعكاسات والترددات)، فهي تنطوي على بنية (دجتلية) في إمكانية تكرارها (المجاني) لملايين النسخ دون ان تفقد قدرتها على التكرار والترددات.

3

يصنف القاص محمد خضير (في مطوية المعرض) سطوح أعمال قيس عيسى بأنها مكونة من "منظورين هندسيين تجريديين: احدهما يعطي نفسه على مستوى بصري، والآخر يولد من سطحه معطيات شكلية متدرجة يتطامن بعضها فوق بعض"، بينما نجد ان المستويات البنائية التي اسماها القاص محمد خضير (منظورات) تتراكب بعدة مستويات لونية (مطبوعة) بعضها فوق او جنب الاخر، وكانها مجموعة شرائح شفافة، فيشكل احدها هامشا ياخذ كل الفاعلية اللونية بينما تلوذ المستويات الاخرى بالوان باهتة هي هوامش للون المستوى الاول، الا ان هناك مستويين من عناصر التكوين في اعمال قيس عيسى هما: اولا: اللون، وثانيا: الخط، وهما عنصران قد تم توحيدهما في احراء واحد، بشكل متواشج، تماما كما وحد ماتيس في قصاصاته بين فعل التلوين والقص (من خلال القص الذي يلون ويخط في الوقت ذاته)، فيبدو الرسام عند ذاك وكانه يرسم باللون مباشرة، بينما تتردد الأشكال الخلفية متناثرة في مختلف الاتجاهات ب مشكّلة ترددات لا نهائية لـ(أشكالوانه) التي تحتل متن اللوحة الذي يطلق هوامشه في كل الاتجاهات.

4

قدّم الرسام الفرنسي تجربة رسم تجريدية شكلت صفحة استثنائية من منجزه الذي انغمس في الفن الخام وفن المرضى العقليين، فكانت تجربته التجريدية عبارة عن أشكال تتناسخ وتتوالد ببنية زخرفية تكرارية انفجارية، فكانت لوحاته تمتد علي حيطان معرضه بشكل متصل وعلى مدى عدة أمتار، وقد حول ذلك الرسام تجربته تلك إلى تجربة نحتية نصبية بأحجام ضخمة احتل قسم منها ساحات شهيرة، فهل يمكن لكاتب ان يقترح على رسام معرضا يبتدا من بداية جدار قاعة العرض وينتهي بنهاية ذلك الجدار من الجانب المقابل.

5

قيس عيسى عبدالله
ولد في البصرة عام 1975، حصل عام 1996 على دبلوم معهد الفنون الجميلة البصرة، وفي عام 2001 حصل على بكالوريوس رسم في كلية الفنون الجميلة جامعة البصرة، وفي عام 2007 على الماجستير بالرسم في كلية الفنون جامعة البصرة.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق