الأحد، 6 سبتمبر 2009

معرض (1x10) في جاليري الأورفلي في عمـّان


(المتحف الشخصي)..
علامات الذاكرة التي
لا يمكن محوها

في المعرض الذي سمي (1x10) وهو معرض لعشرة فنانين من الأردن والعراق هم : سعدي ألكعبي، محمد مهر الدين، سلمان عباس ،عبد الرءوف شمعون، هاشم حنون، محمد العامري، محمد ألشمري، غسان ابولبن، خالد ثامر وسيروان باران، والمعرض بعنوان (1x10)، وافتتح مؤخرا في جاليري الأورفلي في عمان.
حاول جاليري الاورفلي خرق نسقية عروض العاصمة عمان بطريقة يشرحها القائمون على الجاليري بأنهم أرادوا: أولا "محاولة من جاليري الاورفلي لكسر اعتيادية العروض التشكيلية في عمان، حيث ذهب الجاليري إلى مغامرة جديدة في عرض عمل جداري لكل فنان وهذه المغامرة تشكل تحولا مهما في طبيعة العروض العمانية التي دأبت على عرض الأعمال ذات الأحجام الصغيرة والمتوسطة"، وثانيا، كشف "عن قدرات الفنان المحترف في السيطرة على المساحات الكبيرة وهي دلالة على تمكن الفنان من أدواته في بناء العمل الفني" ، وثالثا، أن "يطرح متعة بصرية من نوع آخر، متعة الملاحة والتجوال في المساحات اللونية وحركة الأشكال فالمعرض يشكل دعوة جديدة للمؤسسات الوطنية للانتباه لمثل هذه الأنشطة التي من الممكن أن تشكل رسالة ثقافية وبصرية في حين تواجدها في مؤسسات عامة"، ورابعا، أن يشكل "تنوعا بما يمتلكه من موضوعات تجريدية وتعبيرية وتشخيصية وطرق مختلفة في معالجة التقنية وتحركها على سطح اللوحة".
إن أهم ما بقي عالقا في ذاكرتي من معرض العشرة فكرة كمون التشكلات الأولى التي اسس عليها الرسام المرتكزات البصرية لبدايات تجربته التي تظل محفورة في ذاكرته لتكون مرتكزه الثابت الذي يشكل بدوره محركات ذائقته الفنية وتمظهرها العياني على سطح اللوحة، فكما كتبت مرة عن هاشم حنون إن أشكال الواقع (وهي ذاتها تشكلات ما يسميه شاكر حسن آل سعيد المتحف الشخصي للرسام) تظل عالقة بتجربة الرسام مهما حاول الإمعان في تجريدها، او ربما اخفائها، كذلك تظل هيمنة الذائقة الفردية (الأولى) للرسام بعناصرها الشكلية التي توصل إليها عبر تجاربه المتواصلة، تظل عالقة وتشكل المعين الثابت في تلك التجربة الفنية للرسام، وهو ما لمسته لدى المشاركين الذين ترسّختْ تجربتهم الأسلوبية، والذين تابعتُ تجاربهم المختلفة على مدى سنوات حينما كنت مقيما في عمان طوال خمس سنوات، إلا أن المساحة الجدارية الواسعة التي اشتغل هؤلاء عليها ألزمتهم بقدر من تحريف التجربة لتتلاءم وخصائص الحجوم الجدارية الكبيرة:
لقد ظل هاشم حنون أمينا لمدينته التي ضمت في ثناياها عناصرها المبعثرة في أرجاء اللوحة والتي يبدو أن الرسام لم يشأ سوى أن ينثر هذه العناصر على مساحة الجدار الواسعة ويترك مهمة جمعها على عاتق المتلقي الذي إن كان لن يجد كل تلك العناصر في واقع المدينة فسوف يجدها في (واقع) مدن أعمال هاشم حنون الملونة أو مدينته التي احترقت بعد ذلك في معارض أخرى؛ فعادت ترابا حيث سيرتها الأولى.
يستل الرسام ذو التجربة الراسخة محمد مهر الدين عناصر متحفه الشخصي من المساحات الواسعة لتنويعات (=تونات) اللون الواحد، ومن العناصر الإشارية التي كان يبثها بسخاء في أرجاء لوحته: حزوزا، ومستحثات سطوح خشنة، وإشارات تمثل العلامات الحسابية كالجمع والضرب التي تدلل لديه إشارة لرفض كل أشكال القهر الإنساني، وتلك العلامة عادت الآن لتزيح الكتابات الرافضة الصريحة لاختلالات الواقع المعيش.
مازالت ثيمة انتظار الغائب التي أسس عليها الرسام سعدي ألكعبي هي الهندسة التي يبني عليها طوبولوجيا لوحته، أما جداريته هنا فليست إلا ذات عناصر متحفه الشخصي حيث يظهر عدد من الشخوص الواقفين في طابور، ربما هو طابور الانتظار الذي سوف لن يأتي، صحيح أن الرسام سعدي ألكعبي كان يحاول أن ينوع على أشكال عناصره ما أمكنه، إلا انه ولسنوات حافظ على ثيمة موضوعه الأساسية والتي كانت ذاتها ثيمة أسس عليها بعض القصاصين العراقيين تجاربهم كالكاتب احمد خلف مثلا، وذلك أيضا ربما يصح على موضوعة الرسام غسان أبو لبن حينما كانت أشكال لوحته، وهي ألوان مجردة، قد بدت وكأنها أشكال شخوص تنتظر غائبا هي الأخرى، كما كانت شخوص الرسام الراحل إسماعيل الشيخلي، بينما تمارس هي ذاتها لعبة الغياب والتخفي خلف بقع الألوان الباذخة التي يكسو بها أبو لبن سطح لوحته، وهذا الثراء اللوني يسم جدارية الرسام عبد الرءوف شمعون التي بدت تنوعاتها اللونية مبالغ فيها قليلا.
كانت عناصر المتحف الشخصي السابقة للرسام مهيمنة في عمل سلمان عباس بعناصره التراثية التي تبدو وكأنها تستمد نسغها ليس فقط من الأطروحات الأولى للفن العراقي في (التعبير عن الروح المحلية) بتقنيات اللوحة المسندية، بل وكان ينوع على عناصر متحفه الشخصي الذي يستمد عناصره الشكلية من البيئة الشعبية كالمثلثات والمربعات وبعض الرموز الدينية، بينما يطلي خالد ثامر مساحات لوحته بسطوح لونية واسعة ترتفع في أعلاها إشارات خفيفة؛ وكأنما يحاول خالد ثامر الوصول إلى درجة من التجريد الخالص من خلال تقليص الأشكال ما أمكن.
رغم أن الرسام محمد ألشمري قد استهوته رقعة الشطرنج وقطعها في الفترة الأخيرة فأنجز فيلما يعرض في احد المواقع الالكترونية تصور لوحة شطرنج تحترق كناية عن الحريق العراقي الشامل الذي لم يفرق بين القطع السوداء والقطع البيضاء، إلا أن ذلك لم يخلّ بالعناصر الشكلية لذائقته التي تعتمد على أشكال الورق المقوى للعلب وما مطبوع عليها من كتابات بالحرف اللاتيني الأسود وما التصق بتلك العلب من صحف ممزقة، فهو لا يتخذ الجدار سطحا يتواشج وإياه في بناء لوحته بل يتخذ سطوح تلك العلب ولكن ليحولها هذه المرة إلى بقايا لعبة شطرنج، ربما لعبة شطرنج لدست خاسر كما هو حال الخراب العراقي الحاضر.
كان الرسام سيروان باران رساما أكاديميا ممتازا حاول استثمار قدرته في الرسم والتلوين الأكاديمي فشكل ظاهرة إلى جانب العديد من الرسامين الأكاديميين إلا انه اتجه نحو التجريد بعد ذلك لينتج أعمالا تعبيرية ذات حس لوني ثري مع بناء اللوحة بناء تلصيقيا حيث تتراكب أشكال شخوصه فوق بعضها لتنتج حشدا يتجه اتجاهات شتى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق