المعرض السنوي لجمعية الفنانين التشكيليين في ذي قار (2023)..
أمل بمستقبل
(مختلف)
خالد خضير الصالحي
فمنذ عقود خلت، وتحديدا منذ اندلاع حرب الخليج الأولى، خبا الواقع الثقافي العراقي، والتشكيلي، وخبت جذوة فعالياته، ومعارضه في محافظات العراق كلها، وانشغل الناس بزحمة يومياتهم المعيشة، فقد هرست الحروب الهوس العراقي بالثقافة، ذلك الهوس الذي بلغ اشده خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ فكان التراجع المضطرد اهم
النتائج الكارثية لحروب الخليج التي كان العراق ساحتها، ولم تتغير تلك الحالة حتى هذه اللحظة إلا بشكل طفيف؛ فكانت المؤسسات (الثقافية) المعنية بالفن التشكيلي تكافح من اجل إقامة معارضها التشكيلية السنوية في مواعيدها، وتكافح من اجل ان لا تكون تلك الفعاليات والمعارض فقط اعلانا باستمرار وجود تلك المؤسسات فقط، بل من اجل ان تكون تلك المعارض ترسيخا لعهد مضى في الفن التشكيلي العراقي، وإضافة نوعية جديدة له؛ وهو ما (تهدف)، و(تطمح) اليه جمعية الفنانين التشكيليين في ذي قار، في معرضها السنوي الحالي (2023)، ورغم ان المعارض السنوية مفتوحة لجميع أعضائها؛ ليشارك فيها الجميع، ولكن شريطة ان تمتلك الاعمال مقبولية للعرض، فكان (الاختيار) الواعي سمة أساسية في هذا المعرض، وكانت استضافة تجارب فنية من خارج المحافظة إضافة نوعية مقارنة بالمعارض السابقة..
ان كل (النقائص) التي قد تشخص في الوضع الثقافي، او التشكيلي، او في هذا
المعرض تحديدا، لا تبيح اغفال النصف الآخر المملوء من الكأس، وتلمّس أهمية أي معرض
وفعالية في تحريك الوضع الثقافي العراقي. انها كلها امل بمستقبل (مختلف).
كتب الناقد مؤيد داود البصام، وتحت عنوان (الناصرية تفتح ذراعيها لاحتضان
الجمال): "مدينة الناصرية حاضرة ذي قار وموطن الجينات التي تراكمت على مر
العصور لتنتج لنا كما من المثقفين والفنانين وزخما كبيرا من العلماء في مختلف صنوف
المعرفة، والاهم هو استمرار شعلة وتوقد روح الثورة التي أشعلها كلكامش في الشباب
لتظل المسيرة مستمرة في انتاج من يقف ضد ارادة الشعوب".
وكتب عقيل هاشم موضوعا عنوانه (التطلع إلى آفاق فنية جديدة مغايرة): "من أجل إرساء قيم جمالية تقوم على الخلق واستحداث
مفاهيم جديدة، اتسمت الممارسة الفنية الجمالية في ذي قار على التجريب والتمرد على السائد
منذ البدايات الاولى لتشكُّل الحركةِ الفنية فيها، وقد نشا هذا التمرد من منطلق الممارسة
التشكيلية نفسها، ومن فهم لأصول الفن، وتشبع برؤى تحرره، فكسر قيود النمطية، والبحث
عن بديل، وإعادة النظر في كيفية التعامل مع الفعل التشكيلي الذي يتجاوز به التمثيل
المباشر، فساهم في اثراء معمارية البناء التشكيلي بما هو تعبير متصل بحبل سري بماهية
الفنان السومري الغارق بالشجن، لينبثق بينهما عالم اخر تلتحم فيه المادة"،
انها تجربة اصيلة ونادرة في تنوعها".
وكتب محمد سوادي رئيس فرع ذي قار جمعية التشكيليين
العراقيين كلمة كتب فيها: "ارتأت جمعيتنا أن تنظم معرضها السنوي هذا بمشاركة واسعة
ومهمة للفنانين عراقيين امتدت ملوناتهم من شمالنا الجميل في كردستان العراق الى جنوب
الله مرورا ببغداد الحبيبة في محاولة لتسليط الضوء على ثغر الحركة التشكيلية العراقية
انطلاقا من رحمها الأول الذي ولدت فيه حيث حضارة الطين ومملكة القصب السومرية مرورا
بحضارات العراق القديمة لا ليسجل هؤلاء الفنانون عبر أفكارهم ورؤاهم وتمايز تجاربهم
انتمائهم الأصيل لتلك الحضارة فحسب بل أنهم صانعوها في حاضنة الفن والأبداع الواحد".
وسنتحدث عن التجارب
المشاركة للفنانين وفق تسلسلها في (مطوية) المعرض تقريبا، فكانت مشاركة محمد هاشم
بعملين يمزج فيهما بين اشكال يستلها من الفن الرافديني القديم ويدعمه بموتيفات من
مصادر متعددة تمتد من الفن العراقي القديم، الى الفن الشعبي، الى نصوص من الكتابة
اليدوية التي وجدت هنا لترى أكثر منها لتقرا.
وكانت اعمال
الرسام محمد سوادي تعزيزا لاتجاهه باعتماد اللون عاريا من اية اسانيد شكلية، وعنصرا
أساسا في بناء العمل الفني، وهو ما شاركه فيه الرسام شاكر الجابري، بينما يقولب
باسم المهدي اشكاله لتنتظم ضمن اشكال هندسية واضحة، وكأنها امتثال لـ(قانون سيزان)
بان اشكال الطبيعة يمكن اعادتها الى الاشكال الهندسية المعروفة، ويبقى المشخّص
الركن الأساس في اشتغالات الرسام فلاح عاشور، فهو يخضعه الى شتى ضروب الاختبارات
التقنية، بينما تحاول شفاء هادي إعادة مشخّصاتها الى نماذج قريبة من حلول جماعة
بغداد للفن الحديث في رسم الموضوع المحلي وفق شروط اللوحة المسندية، وتتجه ريا عبد
الرضا بأشكال مشخّصاتها نحو معالجات تتلامس وفن الكاريكاتير؛ ويحذو ساكار فاروق حذوها
بالاتجاه نحو نمط من الفن تشكل خارج الانساق التي خلقتها الحضارة الحديثة، فكانا
يتجهان الى اشكال بشرية فطرية لها طزاجتها الاسلوبية، وقد قدم مهند عدنان لوحة واحدة
تمثلت فيها مهارته التقنية في استخدامه اللون بتعبيرية عالية.
يمكن ان نصف مجموعة من الرسامين المشاركين في
المعرض بانهم إشاريون مأخوذون بمحاولة ملء سطح اللوحة بعلامات تستل من مصادر شتى، ومن
هؤلاء عادل داود الذي قدم عملين، وحسين نعمة الذي قدم عملين هو الاخر، وغصون العيسى، والدكتورة رجاء غالي التي تختلط في
لوحتها الإشارات غير المشخصة بالوجود الإنساني في اقل حضور ممكن، بينما يملؤها
كريم داود بأشكال يستلها من الحياة الشعبية وبرؤية شكلية مختزلة، يشترك معه في ذلك معراج فارس وعبد الحسين عبد
الرزاق، وينحو وسام مناحي منحى تقليليا في الشكل واللون حيث يكتفي باقل عناصر
الشكل وبألوان محدودة.. ويبني حيدر قاسم اعماله في الرسم على رؤية سوريالية فتحتشد
الاشكال في اللوحة دون اكتراث لأية قوانين الا قوانين الخيال، ويجمع سامان أبو بكر
في لوحته الاشكال المشخصة البشرية مع مساحات تبدو وكأنها جدران عالية تذكرنا
بجدران الفصل في أماكن عديدة في العالم، بينما يتجه حامد سعيد بالخيال صوب عوالم تعبيرية
تقلل الألوان الى لطخات مستقلة تتخللها أجزاء بكر من مساحة اللوحة لا يمسسها
الرسام، وقد قدم معرضين في هذا الاتجاه احدهما في البصرة، واخر في عمّان، وكان
كاظم الشابث، قد قدم عملا متميزا، متجها الى
الجدار يستقرئ علاماته، باعتباره اثرا للإنسان المديني يدون عليه وجوده فالجدار
لسان حال ساكن المدينة كما كان يقول شاكر حسن ال سعيد.
بدت لي لوحة الرسامة سماح الالوسي عملا عاليا من الناحية التقنية، والبناء
الشكلي، وكل العناصر الأخرى بضمنها اللون الذي عالجته بمستوى عال ومتفرد، وننتظر
منها تجربة متكاملة قادمة في معرض شخصي قادم، وينحو صالح النجار نحو بناء لوحته من
ملصقات مسطحة متراكبة على بعضها، بالوان أحادية. بينما يمارس الرسامون: فاضل عبد
الحكيم، وعلاء الدين محمد، وبرهان حسون، واحمد الجابري، ورعد الجابري، وبسمة
البكري، وامينة ذياب، وسهام الظاهر، وعباس هاشم، ومثنى طللي، الى نمط من الرسم
الشعبي وفق قوانين اللوحة المسندية، ويتجه علي هاشم الى كثافة لونية تشابه كثافة
الوان سويتين، وهو ما يشترك معه به محمد فتاح، بينما تعالج سؤدد الرماحي سطوح
اشكال ابطالها معالجة لونية مستقلة فيها ثراء لوني واضح، وهو ما تشترك معها به
ثناء هندي رغم اتجاهها نحو التجريد غير المشخص، ويضع مهند الكريطي الوانه بطريقة مماثلة لما كان
يفعله الرسامون الحدثيون الذين يعتبرون اللوحة حدثا يمارسه الفنان ويكون جزءا منه.
يقدم حميد شكور منحوتة يجمع فيها الواقعي في جزئها الأسفل، والتجريدي في
جزئها الأعلى، مع توظيف مناخ تعبيري حينما يحدث جرحا غائرا في المنحوتة، فكان
التعبير القانون الأهم في المنحوتات الثلاثة لرملة الجاسم التي اختزلت تفاصيل
شخوصها الى اقل قدر يحافظ على قوة التعبير، وهو ما يجمها بعمل النحات عبد الرحيم
ثامر، وقدم سامر كشيش تمثالا نصفيا فيه خشونة معبرة في التنفيذ، واتجه الى النحت
التجريدي النحاتون: يحيى عبد القهار وعبد الرضا خشان، ورعد الندلاوي، وحسين
السومري، ووسام عبد الرزاق،وعمد عادل داود الى النحت التجميعي لمواد مختلفة و(ردي
ميد).