44
الرسام حامد سعيد .. الرسم بدرجة
الصفر
(مجتزأ من كتابي (تشكيليو البصرة) الطبعة الثانية المزمع نشرها الكترونيا)
ان "الحكم على العمل الفني في ضوء مضمونه،
سبيل يؤدي الى تدخل كل أنواع الأهواء والتحيزات التي لا صلة لها بالأمر"
(هربرت ريد)
لقد واجه الناقد البريطاني هربرت ريد معضلة تجنيس الاعمال الفنية التي
تخرق قداسة بعدي اللوحة؛ فتتخذ مكانا وسطا بين عدة اجناسيات، وهو طريق اختطته
(مبولة دوشامب) الشهيرة؛ فأورثت الفن نسقا جديدا ومختلفا من الرسم والنحت، يشكل
فيه فعل الرسم درجة صفرية، وهو ما يعرف بالفن المفاهيمي الان، وهو قضية ربما يجادل
البعض بأنها نمط من الصعب تجنيسه بثقة بسبب موت الفعاليات التشكيلية (رسما ونحتا
وغيرهما)، ولكن ما بالنا بتجربة تتضمن كل عناصر الرسم، هي المعرض الشخصي للرسام
حامد سعيد، الذي جنسه بعض المعنيين بانه يقع خارج منطقة الرسم، كلا او جزءا،
معتمدين بذلك على وضوح وثقل الروح المتقشفة التقليلية في اعمال حامد سعيد، واكتفائها
بأقل القليل، سواء من مشخصات الواقع، او من عناصر الرسم، ومكتفية بأقلّ الضربات
اللونية والعناصر الشكلية، ومكتفية بهيمنة البياض الخام للسطح التصويري، وكانها
امتثال لعملية تعرية كواحدة من اهم اليتين اكتشفهما شاكر حسن ال سعيد واسس عليهما
رؤيته النقدية بثنائية: التعرية/التراكم.
ان العناصر ألـ(خارج بصرية) كـ(ـعنوان المعرض)، او مناسبة اقامته، لا
يمكن ان تبيح لنا اخراج هذه الاعمال من عائلة الرسم، فلا يكفي ان يكون عنوان تم
تداوله لمعرضه (أشياء تُشبه الرّسم)، وهو عنوان فرضته مناسبة ادبية كرس لها اتحاد
ادباء وكتاب البصرة (ملتقى الـنص الوجيز) في الشعر، وهو امر غير كاف لإخراج هذا
المعرض من دائرة الرسم الى اي من خانات الابداع التشكيلي الاخرى، كما لا يمكن أن نعتبرها
من اللحظات التي تسبق اكتمال فعل الرّسم، لتكون تمرينا اوليا لأعمال لاحقة.
ان (المعرض الشخصي) غير المعنون الذي اقيم ضمن (الملتقى السنوي للهايكو
والنص الوجيز)، يحتاج محاولة جادة لـ(تجنيس) مشخصات الفنان، وهي براينا تمر
باعتبارها مشخصات تمارس عمليات تخفٍّ خلف اثرها الواهن، وهو ما اباح تسميتها من
قبل اخرين بـ(ما يشبه الرسم)، وهي براينا تسمية مبتسرة بحق تجربة هي في كل الاحوال
تنتمي الى فن الرسم وليس الى اية تجربة محايثة.
لقد حافظت اعمال حامد سعيد على موضوعاتها من خلال التفاعل (التشكل)
الصوري الذي يجري بين عناصر اللوحة واشكالها، لقد كتبت مرة عن هيمنة البياض في
تجربة الرسام العراقي المقيم في لندن (هاني مظهر) وقلت انه يضيف البياضات (اي يقوم
برسم الفراغ)؛ لأحداث انقطاعات في اشكال اللوحة، وهذه الانقطاعات (الفراغات) هي
الفرصة المهمة لمتلقي العمل البَصَريّ، بينما اجد ان حامد سعيد يضع الراغ ي بدء
انجاز العمل ويتجنب المساس به الا بشكل طفيف، مما يجعل تجربته مفارقة لتجربة هاني
مظهر، كون الاخير رسام يكث اشكال اللوحة فيجعل من الفراغات فيها اشكالا هي الاخرى
تقف على قدم المساوات بالوجود الكثيف والفاعل.
في سعيه التبسيطي لم يبق حامد سعيد في لوحته الا اشباح اشكال تبسط فاعلية
اللوحة الى انطباع واحدي (منفرد) في سياق (التقابل الجمالي بين السرد التشكيلي
والنصّ القصصي) كما وصها القاص محمـد خضير بشكل يجعلنا نعتبرها مبنية ببساطة تكون
اقرب الى الحكاية منها الى القصة القصيرة، فيبني حامد سعيد في اعماله رؤيا مدينة
يقول عنها القاص محمد خضير: "يوجِّهنا مفهومُ حامد سعيد عن المدينة (نموذجها
الأكبر بصرياثا وأشياؤها) إلى استدرار التشبيه لموجوداتٍ طبيعيةٍ وحياتية لا
تُلفِت الأنظار (دمى الأطفال وحيوانات المنزل ووجوه الطريق) إلا أنّ كلاً منها
ينحلّ في أشكال ويتبعثر/ينفتل كبكرة خيوط الصوف في يد حائك اللوحة القلٍق،
المستعرِض في قاعة/ مشغل المدينة المنزوي بين الأزقة القديمة".
لينتهي حامد سعيد في بناء
مدينته الى "تشبيه غير كامل، لفعل عسير المنال"..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق