الرسامة يسرا العبادي
اللوحة سطح (مطلي)
بذكريات الطفولة
خالد خضير الصالحي
كتبت مرة بان "مارك شاغال" كان يعرّف الرسم بأنه: "سطح (مطلي) بقصص
الأنبياء!"، بينما أجد ان عددا من الرسامين يعرفونه (عمليا) بأنه "سطح
مطلي بذكريات الطفولة"، او هو الواقعة التي تحدث فيها درجة (التشبع) بسحر
الطفولة، ومن هؤلاء الرسامة العراقية يسرا العبادي التي هي موضوع مقالنا هذا.
ان المعمار السرّي لأعمال يسرا العبادي
يتشكل كل مرة بطريقة تتبع الحكايات الشعبية التي تستمد منها الرسامة اعمالها بكل ما
تستعير منها من: اماكن، وملامح، وابطال؛ مما يجعل أولى مهمات التلقي تكمن في فك
شفرات اللوحة ارتباطا بالسرديات التي انتجتها، وقد لا نجد فيها أحيانا هذا الترابط
بيسر، كونها قد تكون ابتعدت عنا زمنا؛ فاكتست بمغايرة ثقافية في عصر فقدت فيه الحكايات
الشعبية صدارتها في تشكيل الوعي الثقافي الأول في الطفولة؛ فصارت خارج اهتمام
ثقافتنا التكنولوجية الان، ولكن، وعلى العكس من ذلك، بقيت يسرا العبادي وفيّة
لمصادرها الثقافية الاولى.
يلمس متلقّي أعمال يسرا العبادي توجّها
ثابتا نحو مصادر الفن التي صارت (منبوذة) بفعل التحولات الحياتية المعتمدة على
التكنولوجيا في كل تفاصيلها؛ فتراجعت مصادر الثقافة التي قد يعتبرها البعضُ (بدائيةً)،
و(مختلفة) عنا، فأثبتت العبادي ان تلك المصادر الثقافية تشكل دروساً، ومصادر فن
حيوي لا ينضب. وان الحلول التي يقترحها هذا النمطُ (البدائي) من الفن، هي في
حقيقتها حلول مليئة بالمهارة والبراعةً مقارنة بالأساليب التقليدية (المدرسية) في
الرسم، فتمتزج مكونات العالم عند يسرا العبادي ليؤلف وحدة واحدة تتشكل من: الإنسان،
والشجر، والنهر، وكل الموجودات، التي تتقاسم الوجود بينها بدرجة متساوية الأهمية،
فكانت تنظر باحترام لكل موجودات العالم، فتبدو مؤمنة بان الوظيفة التقليدية للفن
لم تعد كما كانت انتاجا لخطوط جميلة، وألوانٍ متناسقة، بل وتشكل عودة إلى الروح،
اكثر مما تتوجه إلى عين الرائي، لأنها لغةٌ، وطريقٌ متفردة نحو المعرفة، وأداةُ
تواصلٍ من ارقى الأدوات، وليست لغة تليق بالأميين، كما يعتقد بعض المؤمنين
المتزمتين بالعلم طريقا وحيدة للمعرفة، وكما قال جان دوبوفيه مرة: "إنّ
الرسمَ: لغةٌ أغنى بكثير من لغة الألفاظ والكلمات. وليس من المجدي والنافع أن نبحث
للفن عن أسباب أخرى تبرّر وجوده... ولغةٌ مباشرة أكثر من لغة الكلمات المكتوبة،
ويحمل دلالات أعمق من لغة الكلمات... فإشارات الرسم هي الأقرب الى الأشياء نفسها...
ووسيلة للتعبير عن أصواتنا الباطنية".
ان الرسم عند يسرا العبادي، إضافة
لجوهره المادي الشيئي، يتخذ صفة (سردية) تتحول بطريقة مستمرة الى خزين بصري يمكن
تسميته بالمتحف الشخصي البَصَري، الذي يضم في جنباته مخزونا هائلا من صورٍ تشكل (المستودع
الشكلي) للوعي الجمالي.. وهذا الخزين الشكلي يرافقه، بل ويمتزج معه، مستودع اخر لا
يقل أهمية عن المتحف البصري، وهو (المدونة السردية) التي تضم حكايات الطفولة وأساطيرها
ليتم تحويلها الى واقعة مادية شيئية حيث يتم تقطيرها الى (مادة) لونية وشكلية من:
ألوان، وأشكال، ومواد مضافة، وتجارب تقنية..
لا تكتفي يسرا العبادي من عالم الطفولة
بحكاياتها فقط، وإنما هي تستعير اجواءها من مصادر شتى، تستعير من (قوانين) الرسم وآلياته،
ومن أشكال رسوم الأطفال، بما فيها تقنياتها اللونية الطفولية، وقوانينها التشريحية
التي لا تكترث بالقوانين التي تواطأت عليها مدارس الرسم، وهي مغرمة بهيمنة الخط
الذي هو اهم عناصر رسوم الأطفال، فتشكل قوة الوجود الخطي وحدة أساسية لبناء العمل
الفني، إضافة لعنايتها بشفافية ألوانها، واجوائها الزاهيةً التي تُدخل المتلقي الى
أجواء ينغمس في عوالمها الطفولية، متشبعا بسحرها الذي لا يمكن مقاومته.. كما شكلت الحكايات
الشعبية والقصص الحكواتية لمناطق الفرات الأوسط والجنوب العراقي المعين الأكبر
لتجربة يسرا العبادي، وهي موضوعات كانت الرسامة تدور في فلكها، بطريقة لا تعرف
الكلل، وتغترف منها اعمالها، وربما تتشكل منها تلك الحكايات المناسبة الأهم، بل
الذريعة الأقوى لوضع الألوان على سطح اللوحة، مما يجعل اعمالها وحدة ومثالا
نموذجيا لالتحام الموضوعات بالمادة لتتشكل واقعة شيئية تنطوي على كل ما ذكرناه من
عناصر تنصهر في الواقعة البصرية؛ لذا لا يمكن للمتلقي ان يجزم هل ان عشقها للون هو
الذي أنتج كل هذه المضامين، او ان مدونتها السردية والقصص الطفولية والشعبية هي
التي افرزت كل هذه الاشكال ذات الصفة الجمالية.
تبدو لنا اعمال يسرا العبادي نماذج
مختلفة عن السائد، ومتفردة في جعل الموضوع مناسبةً لكل الاشتغالات الانزياحية:
سواء في السرد باتجاه مزيد من الخيال، اوفي التقنية لتمييز المادة الفنية عما يماثلها من المادة
التي نصادفها في الواقع المعيش: سواء وجدناها على الجدران، او ربما في صفحات دفاتر
الطلبة الصغار، وربما في البسط، والسجاجيد،
وفي المدات التي تصنعها نساء الفرات الأوسط، فتدفع المتلقي الى أسئلة جوهرية وهو
يشاهد اعمالها، واهم تلك الأسئلة: ما الذي تعنيه هذه الاعمال؟، وكيف انجزت الرسامة
اعمالها؟، وما هي مصادرها التي تشكل رؤيتها السردية والشكلية.
يهيمن اللون الأخضر على اعمال الرسامة يسرا
العبادي؛ فيشكل مهادا اوليا، وفرشة تنمو داخلها اعمالها، فقد هيمن ذلك اللون
باعتباره أساس الانقطاعات والتواصلات الشكلية في اعمال هذه الرسامة.
تبدو الرسامة العبادي وكانها تعيد
إنتاج مسرح من مسارح الدمى التي كان مغرما بها الرسامون: خوان ميرو، و جان دوبوفيه،
ومارك شاغال؛ وشكلت هذه الدمى عندها المشخّصات التي صارت حقلا لتجاربها اللونية والشكلية؛
فقبعت تلك المشخّصات مرة خلف غلالات اللون، وذاب اللون في مشخّصاتها حتى انتهى إلى
لون اخضر أحادي بكل درجاته التي تتباين حينا، وتداخل، وتمتزج حينا اخر؛ فتتشكل
سحنات لونية رقيقة، يتراءى بعضها خلف بعض، بينما يقوم الخط بتحديد أشكال المشخصات
بخط خارجي يعزل كل شكل عما يجاوره بعناية وحذق؛ وبذلك تتخلق واقعتان ماديتان بصريتان
مستقلتان، ومتواشجتان معا، واقعة لونية تشكلها السحنات المتراكبة على بعضها، وواقعة
خطي تشكلها الخطوطُ والبقع المتناثرةُ التي توحي في أحيان كثيرة بالحركة، وتؤطر كلُّ
تلك العناصر اشكالَ الدمى الطفولية التي هي المناسبة الأهم لاختبار جمالية اللون
الأخضر وإبراز طاقته التعبيرية.
يسرى العبادي
بكالوريوس فنون جميلة/رسم
عضو جمعية الشكيليين العراقيين
عضو نقابة الفنانين العراقيين
عضو شبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد
الأوربي
المعارض الشخصية:
_معرض اشراقات عام 2000 في دار أفق / بغداد
_معرض الاشراقات عام2002 في قاعة ألمرأة
المستقلة /بغداد
_معرض هاجس مدينة عام2009 في قاعة حوار/
بغداد
_معرض شبابيك الذاكرة عام 2012 في دار
الباندا /عمان
_معرض ديوان طفولة عام2013 في قاعة حوار/
بغداد
معرض الف شمس وشمس عام2013 في المعهد
الثقافي الفرنسي /بغداد
المعارض المشتركة:
_معرض الفن المعاصر العرقي عام 2016/فرنسا
_معرض رسامون عراقيون عام2016 /الكويت
_معرض فيض عراقي عام ٢٠١٧ / الكويت
_معرض تشكيليون عراقين عام 2019/اميركا
معرض Art hub عام 2019/ ابو ظبي
_معرض بابل في قلب فرنسا عام2019/اميركا
_معرض حريات عام 2019 في المعهد الثقافي
الفرنسي / بغداد
ألمشاركة في ورشة عمل فنية لاهم الفنانين
التشكيليين العالميين سنة ٢٠٢٠
ألمشاركة في ورشة عمل فنية لاهم الفنانين
التشكيليين العالميين سنة ٢٠٢٠
معرض فضاءات ملونة في الرياض سنة ٢٠٢١