الرسام يوسف الناصر.. حافة ضوء.. كوابيس كائنات دون ملامح
خالد خضير الصالحي
في نصوصه الوجيزة التي اسميها (كوابيس دونما ملامح)، يختصر الرسام المغترب يوسف الناصر فعالية الرسم بعنوان معرضه الان (حافة ضوء)، حيث يقوم اللون، مقام الضوء، بكل المهمات، وكل عناصر اللوحة: صنع الاشكال وتحديدها، وتأطير المساحات وردم الفراغات بل والتورط في صنعها، انه حاضر حين يصنع الاشكال، وحاضر حينما يصنع الفراغات معا..
تتراءى الاشكال الخبيئة، ابطال كوابيس لوحات يوسف الناصر، من خلف غلالات الألوان من خلال ضربة شاردة هنا، وأخرى مقصودة هناك، بل ان سحنات اللون تدفع الرسام الى استقراء الاشكال التي تنتجها تفاعلات البقع مع بعضها، فتنتج اشكالا وهمية هي بمثابة احفورات بصرية تكتشفها العين اللماحة الخبيرة، وتخصها برعايتها بشيء من الاهتمام لاستكمال بناء اشكال اللوحة التي هي رغم غموضها الا انها لا تخطئها العين.
يخلق الرسام نمطا من التواصل بين اشكال اعماله، فتومئ احداهما الى الأخرى، وتتواشج مع بعضها في حركة دائبة وفوضوية، كائنات لا نظاما جينيا خلّقها، ولا يؤطرها قانون فيزيائي، ولا يقولبها نظام شكلي كالذي قال الخبير الكسندر بابادوبولو بوجوده في الفن الإسلامي باعتباره نظاما سريا تبنى وفقا له الرسوم الإسلامية المبثوثة في المخطوطات..
غالبا ما يحاول يوسف الناصر ان يوجد نظامه السري الخبيء الذي تكونه معاينات متعددة لأعمال معرضه، وهذا النظام السري المبثوث والذي يظهر جزء منه في كل عمل، يتشكل من منطقتين مختلفتين بقوة اللون، فتنقسم اللوحة الى مساحتين: بيضاء تتناثر فيها غالبية اشكال اللوحة، وغامقة تشكل ظلام العالم الذي مازال يخفي اشباحه عنا بعناية وسرية تامة.
على عكس الكثير من الرسامين الذين يتممون الاشكال الوهمية التي تنتجها بقع اللون الرثة ليجعلونها مطابقة لأشكال الواقع، يتجنب يوسف الناصر هذا العمل الذي ربما يعتبره مخلا بعملية التلقي، وموجها قسريا لها.. الا ان العين الامارة لا يمكن ان تركن لقصديات الرسام، وتخلق تماثلاتها غير البريئة مع اشكال الواقع، فهنا نرى راس كائن، وهناك كانت يد تتحرك ببطء ولكن بقصد ربما خبيث للامساك بكائن غامض توشك ان تنقض عليه، وهنالك سلم متداع يحتل احد اركان اللوحة، تحيط به غابة من الأشجار او من الوجوه الغامضة، ليذكرنا بسلالم لعبة (الحية والدرج) التي اندثرت الان بفعل التطور التكنولوجي الذي اجهز على العديد من العابنا القديمة أيام كنا صغارا.
تحتدم أجواء اللوحة أحيانا لنكتشف في بعضها أجواء من الحروب التي تلف الكرة الأرضية الان ونشخص أدوات القتل صواريخ تهبط من السماء، وكان البشرية قد استبدلت ملائكة الانوناكي، الكائنات المجنحة الملائكية التي كان السومريين يرسمونها وينحتونها وهي تهبط الى الأرض، يستبدلونها الى صواريخ تهبط على ارض اللوحة فتحيل لونها الى احمر بلون الدم الذي ستريقه تلك الكائنات المتفجرة، وان بعض اعماله في هذا المعرض تبدو مشحونة بالاجواء الملبدة للحرب، وتري المتلقى شدة اهتمام يوسف الناصر بالاكتساح الشامل الذي يعانيه الجنس البشري وهو ما يتم التعبير عنه ليس فقط من خلال موضوع اللوحات، واشكالها، بل والاهم من خلال معالجة المادة، وتشكيل نسيجها (التكسجر)، وتراكمات السحنات فوق بعضها، لتشكل ما يشبه الموقع الآثاري الذي تشكله طبقات تعود كل منها الى حقبة تاريخية مختلفة، عبر بقع تعكس ويلات مرور الزمن، بل مرور الانسان الذي لا يرحم بني جنسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق