فيصل لعيبي ومظهر احمد في غاليري البارح في البحرين
5 يناير(كانون الثّاني) - 5 فبراير(شباط) 2010
معرض (العراق: وجهان)..
إعتراف بتعدد القراءات
خالد خضير الصالحي
1
لا يبدو معرض (عراق: وجهان) اختيارا بريئا لرسامين اثنين من رسامي جيل السبعينات (جيل المنافي: نعمان هادي، صلاح جياد، فيصل لعيبي، مظهر احمد، عفيفة لعيبي..... ) هما الرسامان: فيصل لعيبي ومظهر احمد اللذان يبدوان من الوهلة الأولى وكأنهما يقفان على طرفي نقيض: فمن طرف فيصل لعيبي تتوسل واقعيته بنقيضين هما: الفن الكلاسيكي الأوربي بقانونينه للمشخص: التشريح والمنظور، وبالرسم الإسلامي بقوانينه المناقضة لذات القضية: الافتقار إلى المنظور والتشريح كما هو في الفن الأوربي، فكان الرسام لعيبي يتعامل مع هذا الأمر بهدي من (تعاليم) جماعة بغداد للفن الحديث (التعبير عن الروح المحلية بقوانين اللوحة المسندية) ووفق أسلوب باذخ بالتفاصيل التي تم كبحها في هذا المعرض خاصة في خلفية اللوحات التي بدت احادية اللون وباردة امام ازدحام تفاصيل الشخوص، أما من طرف مظهر احمد فتجربته تجريدية مقتصدة في كل شيء: الألوان والخطوط والسطوح، إلا ان جمع هاتين التجربتين بدا لي وكأنه محاولة جمع التجريد والتشخيص عبر اسلوب التعامل مع أشكال الواقع، فبدت التجربتان وهما مجتمعتان معا كتجربة بيكاسو عندما إعاد رسم لوحات كلاسيكية مشهورة بأسلوب اختزالي تجريدي يومئ من بعد للمشخص، فبدت لوحات مظهر احمد كأنما هي إعادة لرسم المشخصات العراقية التي قضى فيصل لعيبي أكثر من أربعة عقود وهو يرسمها، ويعيد رسمها باعتبارها الموضوعات الأثيرة لديه، بينما يحاول مظهر احمد التخلي عن التجريد اللامشخص الذي شكل تجربته طوال أكثر من ثلاثة عقود، باتجاه تجريد شكلي تتراءى فيه ظلال شواخص الواقع مرسومة بأسلوب طفولي من خلال شخابيط حرة، وكأنما قد نفذت بالقلم الرصاص على ورقة بيضاء وليس على لوحة زيتية أو أية مادة تقليدية للرسم، وبذلك اوجد الرسامان أرضية مشتركة لالتقائهما في معرض واحد هو الاعتراف بتعدد القراءات للروح المحلية من خلال طرح مقترح تجريدي جديد لها متمثلا بتجربة مظهر احمد... وتلك دلالة إلى ان الروح المحلية ليست قضية موضوعات فولكلورية وإنما هي مظاهر بصَرية، وان كلا الرسامين: مظهر احمد وفيصل لعيبي قد تناولاها التناول البصري الذي يقترحانه شخصيا ولم يكن للموضوعات الخداعة الأمر الحاسم الموهوم في تجربتيهما.
2
ان أهم من كتب عن مظهر احمد هو الكاتب الرسام علي النجار الذي أوضح طبيعة أعماله في موضوعاتها "كونها تشير ولو ببعض من الخفاء إلى مرجعية مصادرها البيئية(العراقية) الأولى مثلما تشير لانتمائها لبيئات أخرى، فهي بهذا المعنى جزء من سيرة تعلي من الأثر البيئي بإيحاءات كونية... وان بدت مغرقة بوسائلها ووسائطها التقنية"، وإنها من ناحية عناصرها الشيئية المادية فهي تعلي من شأن "الأثر الخطي الحاد الجريء والمطاوع في رسوماته الكرافيكية الورقية بالطباعة القماشية البدائية العراقية المحلية وبالخط الكرافيتي العربي وقوة وثبات خطه. فسنجد إشارات واضحة لهذه المقارنة. فرسوماته تتشكل و تتمظهر خطوطا جريئة ومطواعة لكنها تتعرض لإرادة الفنان التفكيكية كتلا جسدية بقدر ما تفقد الكثير من أجزائها تشير إلى محنة فقدها في وسط حاضن هو فضاء مفتوح على احتمالات احتضان معادل مناقض لقسوتها. فضاء غالبا ما يتكون من عدة طبقات احفورية شفيفة تبهر النظر لرقتها"، وان كل ذلك لم يمنع ان يكون "الجسد الإنساني المساحة المفضلة للفنان لأجراء تجاربه الفنية ضمن حيز محيطه الكفافي في أعماله الكرافيكية التجميعية. لكنه جسد مطاوع للحالة التعبيرية التي يضمر تشكيلها حركة متزامنة متتابعة أو منفردة. وهو إذ يختزل خطوط هذا الجسد لتوائم حالته الجديدة التي لا تخفي غالبا كم الانفعال وتقنينه بما يناسب هذه الحركة".
3
وصلني من الرسام مظهر احمد ملف (بي دي اف) باللغة الانجليزية عن معرضه المشترك مع الرسام فيصل لعيبي، وقد وجدت فيه مدونة لغوية مرفقة لم اعرف كاتبها، لكنها، برأينا، تنطوي على أفكار مهمة أحاول تلخيصها وترجمتها إلى العربية بتصرف، وأضيف إليها رأيي الشخصي بتجربتهما الفنية.
تقول المدونة: "يأتي معرض (العراق: وجهان) في غاليري البارح في البحرين كأول تقديم لأثنين من أكثر الرسامين العراقيين شهرة، وبعد ستّة وثلاثين عاما سنة بعد هجرتهم من وطنهم لم يدركا كل طموحاتهما التي كانا يحلمان بها، لكنهما استطاعا ان يخلقا أسلوبا شخصيا متفردا ومختلفا عن الفنّ الأوربي.
لقد استبد صدام حسين، في سنوات هجرتهم، فادخل العراق في الحرب العراقية الإيرانية وحربي الخليج مما سبب في هجرة جحافل من المثقّفين العراقيين، والفنانين، وأفراد بارزين آخرين، ولم يتمكن لا فيصل لعيبي ولا مظهر احمد من العودة إلى وطنهما من1 خروجهما من العراق، ولكنهما كانا يبديان أسلوبا متفردا ومستقلا كتعبير عن رغبتهما في المشاركة في التغييرات المهمة تحدث في عالم الفنّ العراقي.
لقد وظف هذان الفنانان فنّهما لمتابعة أحلامهما الفنية لبلدهما، فصار فنّهما سفيرا يمثل العراق في الأوساط الفنية الدولية، وجامعي الفنّ والمثقّفين.
(العراق: وجهان) ليس إلا منتخبات من اللوحات التي تلخّص النظرة المميّزة لفيصل لعيبي والروح الجريئة لمظهر أحمد؛ فكانت النتيجة مجموعة غير عادية: واقعية حديثة، وفنّا ثنائي الأبعاد حديث يتضافر أسلوبان مختلفان التي تعايشت لثلاثة عقود ولكن بهدف واحد هو إعادة تعريف العالم بتقاليد العراق المعاصرة والطليعية.
كان فيصل لعيبي، وطوال أكثر من عقود أربعة ماضية كان حريصا ان يطرح نفسه كأحد الرسامين العرب القلائل الذين انتهجوا الواقعية الحديثة التي تعتنق تقاليد عراقية كعمق إلهامي لها، فكانت أعماله تعيد إنتاج مشاهد عراقية نموذجية تصور الواقع الاجتماعي، والثقافي، والتأريخ الملحمي الصاخب لشعبه: فكان يسافر إلى كل أنحاء العالم ليعرض صور بغدادييه المشهورين، ويقدم المحاضرات عن الفنّ العراقي والعربي المعاصر.
لقد حصد مظهر احمد خلال أكثر من ثلاثة عقود العديد من الجوائز الدولية، وكانت صوره مقتناة في العديد من بلدان العالم، وهو ينتهج نهجا تجريديا في تراكيب متحررة وفي وسط ثنائي الأبعاد، ومن خلال مزيج مثير من العناصر التي أتاحت له تحقيق سمعة قوية.
يحتل فيصل لعيبي ومظهر احمد موقعا متفردا ضمن جيلهم ليس فقط بسبب نجاحهم، ولكن بسبب مثابرتهم وعنادهم في الدفاع عن الفن التشكيلي العراقي، فكان هذا المعرض جذّابا ثقافيا؛ حينما عرضا العراق: من خلال وجهين هما الجسر الهامّ الرابط بين الواقعية الحديثة جنب الحداثة في عصر الفراغ في التأريخ العراقي.
يتيح الرسام مظهر في أعماله حرية العبث الطفولي من خلال تقنية طفولية كاليغرافية فيقوم بدمج تراكيب متنوعة في وسط ثنائي الأبعاد بلغة بصرية تم استئصال كل الزوائد النثرية وأهمها نمط السردية التي أثقلت افن قرونا طويلة؛ فكان استراتيجه الذي لازمه طويلا ان يتم بطلاء اللوحة باللون الأبيض؛ فيشكل خلفية تتقدمها عناصر اللوحة وذلك بهدف المحافظة على روح الورقة البيضاء التي يشتغل عليها عليها الطفل عند انجاز شخبطاته الأولى".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق