ألعاب الحكمة وفجوات العنوان ثلاث ملاحظات في (من لا تحضره السكينة)
خالد خضير الصالحي
يعتبر عادل مردان (مدونته) المعنونة (مَن لا تحضره السكينة) مدونة (ألعاب) للحكمة, فهو يصنفها باعتبارها (ألعابا), لتتخذ تلك المدونة على الورق طوبوغرافيا تبتدئ بعنوانٍ (حكيمٍ) يضم اسم الشاعر ذاته مرتين, مرة باسمه الصريح, ومرة بضمير(مَن) الذي يعود للشاعر ذاته, ثم صفحة أخرى بالاسم الصريح، ثم صفحة أخرى بالاسمين معا, ثم صفحة أخرى كتب فيها (1987- 1992البصرة القديمة)، ثم صفحة لنصف إهداء : إلى ...إلى...إلى, ثم صفحة أخرى تصف نمط النص "عندي هذه الألعاب" ليبتدئ النص في صفحة تالية. كانت تلك كلها برأينا فجوات يضعها الشاعر مشروعا للقراءة (الردم) أمام المتلقي، فهي كانت "شرطا ضروريا للتجربة الفنية, أو شكلا أدق للمعاينة أو الرؤية الشعرية) كما يقول الناقد كمال أبو ديب, بينما تخلت عناوينه عن الفراغات الجاذبة, وهي حالة مناقضة لضرورات الإزاحة الشعرية تماما, فالعنوان الذي يعتبره سعيد الغانمي "متقدما مكانا متخلفا زمانا" في النص)، يعد مصيدة للقارئ لمتابعة القراءة، وتلك مهمة ينجزها وجود الفجوات (= مسافات التوتر) فيه, تلك المسافات التي يقوم القارئ بملئها من خلال (القراءة)، التي تعادل ردم الفجوات النصية باعتبارها إزاحة لتأسيس درجة من المسكوت عنه اللازمة في النص الشعري, فكان ما جلب اهتمامي في بعض عناوين عادل مردان أنها لا فراغ أو فجوات فيها, ومن ثم فهي تفتقر إلى التوتر الضروري, فهي تبدو جملا تصلح جزءا من المتن لا عنوانا له بسبب مهم هو افتقارها إلى وجود الفجوات النصية التي يملؤها القارئ من خلال البحث في النص, لان ما يجعل العنوان صالحا كعنوان، أو كعنوان للشعر تحديدا برأينا هو الجزء المفقود في بنيته, ذلك الجزء الذي يخلق التوتر في عملية القراءة رغبة في ملئه ,أنه النصف الأول من خريطة الكنز(= النصّ) الذي لا قيمة له ما لم نجد نصف الخريطة الآخر, فأن عنوانا مثل (مازحا يقرص أذني الموتُ الذي لا صاحب له) هو عنوان لا فراغات فيه, حتى أن لعبة التقديم والتأخير في كلماته، والتي ربما اعتقد عادل مردان أنها ستمنح العنوان إزاحة لغوية كافية، لم تمنحه تلك الصفة, فكان التركيب البسيط واضحا, مما جعل ذلك العنوان، وعناوين أخرى تصلح للانتماء إلى المتون أكثر من العناوين كما قلنا, لأنها جملة كهذه (يقرص الموتُ,الذي لا صاحب له,أذني مازحا) لا تتوفر على درجة من التوتر، ربما حتى كعنوان للصحافة.
*******
تتخذ قصائد عادل مردان بنية دائرية تبتدئ بمفتتح مشخص(بلغة النقد التشكيلي), لتعود فتنتهي به خاتمة (= قفلا)، فقصيدة (تماثيل ترقب العدم) تبتدئ بالنص:
"الجوارحُ تضربُ الصخرةَ
وتحلق عاليا
مسطحات ملساء
متجهمة"
وتنتهي بالنص:
"المسطحاتُ
ملساء
متجهمة
الجوارحُ تحلق عاليا"
وكأننا أمام مرآوية نصية أو زخرفية تنتج النص وفق بنية دائرية تتعاشق فيها المقدمة التي هي معكوس الخاتمة.
يبدأ نص (إبريق من الشرق) بالإبريق عنوانا ومفتتحا:
"أبريق من (أسلام أباد)."
وينتهي به :
"في أيّ طبقة
نشدّ رحال المسافر
الإبريق كتوم"
ويبتدئ نصّ "أفكر بواجهات (سدوم)." بسدوم وينتهي بها "ينزل إلى الورقة نزع سدوم"
ويبتدئ نص (غيبة النور) بنص "يحمل موتنا ويسير" وينتهي "أرجع درويش الموت/ إلى التكية/ هم يحتفلون بعيد الإنسان" .
********
استوعب الشاعر عادل مردان واحدا من أهم مواصفات الحداثة الشعرية في قصيدة النثر العربية، وهو مفهوم (اللاشخصية) الذي بدأ يرسخ نفسه نسقا لقصيدة النثر العربية، حينما بدأ الشعراء يتخلون عن الذات شيئا فشيئا، فكانت "القصيدة ثمرة للتفاعل بين حضورين: حضور الذات، وحضور الواقع" (سعيد الغانمي، منطق الكشف الشعري، بيروت، ط1، 1999، ص 17) لتنتهي قصيدة النثر العربية من الذات الجمعية، وعبر الذات الفردية إلى (ذات مجردة) أو (لا- ذات) فكان أن تخلت عن (أهدافها) الكبرى في تغيير الواقع، وتحولت، شيئا فشيئا، بين يدي عادل مردان إلى مجموعة عناصر متناثرة (= شظايا) لا رجاء في إعادتها إلى (سيرتها الأولى) على الأقل، فتخلت عن أهدافها النفعية القديمة متجهة صوب الحداثة.
خالد خضير الصالحي
يعتبر عادل مردان (مدونته) المعنونة (مَن لا تحضره السكينة) مدونة (ألعاب) للحكمة, فهو يصنفها باعتبارها (ألعابا), لتتخذ تلك المدونة على الورق طوبوغرافيا تبتدئ بعنوانٍ (حكيمٍ) يضم اسم الشاعر ذاته مرتين, مرة باسمه الصريح, ومرة بضمير(مَن) الذي يعود للشاعر ذاته, ثم صفحة أخرى بالاسم الصريح، ثم صفحة أخرى بالاسمين معا, ثم صفحة أخرى كتب فيها (1987- 1992البصرة القديمة)، ثم صفحة لنصف إهداء : إلى ...إلى...إلى, ثم صفحة أخرى تصف نمط النص "عندي هذه الألعاب" ليبتدئ النص في صفحة تالية. كانت تلك كلها برأينا فجوات يضعها الشاعر مشروعا للقراءة (الردم) أمام المتلقي، فهي كانت "شرطا ضروريا للتجربة الفنية, أو شكلا أدق للمعاينة أو الرؤية الشعرية) كما يقول الناقد كمال أبو ديب, بينما تخلت عناوينه عن الفراغات الجاذبة, وهي حالة مناقضة لضرورات الإزاحة الشعرية تماما, فالعنوان الذي يعتبره سعيد الغانمي "متقدما مكانا متخلفا زمانا" في النص)، يعد مصيدة للقارئ لمتابعة القراءة، وتلك مهمة ينجزها وجود الفجوات (= مسافات التوتر) فيه, تلك المسافات التي يقوم القارئ بملئها من خلال (القراءة)، التي تعادل ردم الفجوات النصية باعتبارها إزاحة لتأسيس درجة من المسكوت عنه اللازمة في النص الشعري, فكان ما جلب اهتمامي في بعض عناوين عادل مردان أنها لا فراغ أو فجوات فيها, ومن ثم فهي تفتقر إلى التوتر الضروري, فهي تبدو جملا تصلح جزءا من المتن لا عنوانا له بسبب مهم هو افتقارها إلى وجود الفجوات النصية التي يملؤها القارئ من خلال البحث في النص, لان ما يجعل العنوان صالحا كعنوان، أو كعنوان للشعر تحديدا برأينا هو الجزء المفقود في بنيته, ذلك الجزء الذي يخلق التوتر في عملية القراءة رغبة في ملئه ,أنه النصف الأول من خريطة الكنز(= النصّ) الذي لا قيمة له ما لم نجد نصف الخريطة الآخر, فأن عنوانا مثل (مازحا يقرص أذني الموتُ الذي لا صاحب له) هو عنوان لا فراغات فيه, حتى أن لعبة التقديم والتأخير في كلماته، والتي ربما اعتقد عادل مردان أنها ستمنح العنوان إزاحة لغوية كافية، لم تمنحه تلك الصفة, فكان التركيب البسيط واضحا, مما جعل ذلك العنوان، وعناوين أخرى تصلح للانتماء إلى المتون أكثر من العناوين كما قلنا, لأنها جملة كهذه (يقرص الموتُ,الذي لا صاحب له,أذني مازحا) لا تتوفر على درجة من التوتر، ربما حتى كعنوان للصحافة.
*******
تتخذ قصائد عادل مردان بنية دائرية تبتدئ بمفتتح مشخص(بلغة النقد التشكيلي), لتعود فتنتهي به خاتمة (= قفلا)، فقصيدة (تماثيل ترقب العدم) تبتدئ بالنص:
"الجوارحُ تضربُ الصخرةَ
وتحلق عاليا
مسطحات ملساء
متجهمة"
وتنتهي بالنص:
"المسطحاتُ
ملساء
متجهمة
الجوارحُ تحلق عاليا"
وكأننا أمام مرآوية نصية أو زخرفية تنتج النص وفق بنية دائرية تتعاشق فيها المقدمة التي هي معكوس الخاتمة.
يبدأ نص (إبريق من الشرق) بالإبريق عنوانا ومفتتحا:
"أبريق من (أسلام أباد)."
وينتهي به :
"في أيّ طبقة
نشدّ رحال المسافر
الإبريق كتوم"
ويبتدئ نصّ "أفكر بواجهات (سدوم)." بسدوم وينتهي بها "ينزل إلى الورقة نزع سدوم"
ويبتدئ نص (غيبة النور) بنص "يحمل موتنا ويسير" وينتهي "أرجع درويش الموت/ إلى التكية/ هم يحتفلون بعيد الإنسان" .
********
استوعب الشاعر عادل مردان واحدا من أهم مواصفات الحداثة الشعرية في قصيدة النثر العربية، وهو مفهوم (اللاشخصية) الذي بدأ يرسخ نفسه نسقا لقصيدة النثر العربية، حينما بدأ الشعراء يتخلون عن الذات شيئا فشيئا، فكانت "القصيدة ثمرة للتفاعل بين حضورين: حضور الذات، وحضور الواقع" (سعيد الغانمي، منطق الكشف الشعري، بيروت، ط1، 1999، ص 17) لتنتهي قصيدة النثر العربية من الذات الجمعية، وعبر الذات الفردية إلى (ذات مجردة) أو (لا- ذات) فكان أن تخلت عن (أهدافها) الكبرى في تغيير الواقع، وتحولت، شيئا فشيئا، بين يدي عادل مردان إلى مجموعة عناصر متناثرة (= شظايا) لا رجاء في إعادتها إلى (سيرتها الأولى) على الأقل، فتخلت عن أهدافها النفعية القديمة متجهة صوب الحداثة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق