مطويات المعارض
حوامل مخادعة ..
أورؤى فنية
خالد خضير الصالحي
لقد عرف كاسيرر الفن بانه لغة رمزية، وهيمن ذلك التعريف على الدراسات الفنية في القرن العشرين، فكان اخطر نتائج تلك الدعوة، حسبما ي}كد جورج كوبلر، ان استأثرت دراسات المعنى بكل الاهتمام، وتراجع تعريف الفن بكونه نظاما من العلاقات الشكلية، وهو التعريف الاهم برأينا، رغم انه مازال بعيدا عن ما الفه الناس، فقلما يعتقد سوى القلة من المختصين في الفن التشكيلي بافاقه الحداثية ان اللوحة ليست في النهاية الا سطحا مطلي بالمادة، اي الاقرار (بشيئية اللوحة) ومادية التعبير، وان جل ما يكتبه الرسامون في مطويات معارضهم في العراق ينصب في جانب المعنى بمختلف اتجاهاته، وهذه ، برأينا الخطورة الاولى في تلك الكتابات، كونها تكرس تناول المعنى على حساب متيريالية اللوحة.
وتتمثل الخطورة الثانية في اتجاه تحول كتابات الرسامين في مطويات معارضهم الى ما يؤدي الى بث موجهات قرائية متعمدة كما كانت تنتهي اليه كتابات شاكر حسن ال سعيد، وقد تتحول تلك الى موجهات قرائية دون قصد من الرسامين انفسهم حيث يقوم الكتاب بتناقلها كمسلمات مفروغ منها، كما يحدث في تناقل هؤلاء النقاد الفهم السائد بأن تجربة الرسام فيصل لعيبي لا تعدو ان تكون رسوما ذات طابع محلي لا يشكل سوى امتداد متاخر لجماعة بغداد وطروحاتها غافلين عن الابعاد البلاستيكية في هذه التجربة، وهو ما اخر اكتشاف كوامن تجربة فيصل لعيبي واكتفاء معظم الكتاب عن القشرة الفولكلورية لهذه التجربة وهو الامر الذي اثبتنا تقصيره في احدى محاضراتنا عن هذا الرسام.
ثالثا، لقد سرت قضية اختراع حوامل خادعة supports سرعان ما يقع فيها الرسام نفسه بطريقة الخداع الذاتي بعد ان يبدأ الكتاب بتناقلها العمياني، فيبدأ الرسام بتكرار ترديدها مما يعرض التجربة الى خطر التناسخ الداخلي الذي يجعلها تدور في فلك حلقة مفرغة تؤدي الى توقف ايقاع التحولات الاسلوبية فيها.
رابعا، لا يمكن نكران وجود رؤية فنية تنظيرية متكاملة لدى بعض الرسامين ممن يحاولون تطويرها من خلال معارضهم التي يقيمونها وينظرون لها في مطويات معارضهم، والامر هنا دقيق ، فيما اذا كانت التنظيرات والتجربة البصرية متساوقة حقا، ام ان ذلك ادعاء ليس الا.
نموذج اول
هناء مال الله وقاع منظومات التعبير الرمزية
بعد ان جسدت تجربة هناء مال الله قضية المثلثات المقلوبة باعتبارها وحدات تدوينية ظهرت في العصر الذي سبق اختراع الكتابة في حضارة وادي الرافدين فشكلت بظهورها في فخاريات سامراء وتل حسونة ، الوحدات التدوينية لذلك العصر بالارتباط مع نظام التربيع انتهت في معرضها الاخير الذي ننشر هنا نماذج منه فطرحت اربع فكر مهمة هي:
اولا، النظر الى تجربتها باعتبارها تمثل محاولة تجريبية تطرح من خلالها "احدى المسارات التي تتنافذ فيها المنظومات: منظومة الاشكال المرسومة مع منظومة الكتابة مع منظومة الاعداد"بهدف الوصول الى استنتاج بأن الرسم "في قاع كل المنظومات الرمزية" وتكون التجربة برمتها "محاولة ادراك للانظمة"، وهي تؤكد ان تجربتها ليست الا محاولة في قراءة بصرية للنظام في فوضى تراكم المنظومات وبالعكس. وتبرر التزامها بنظام شكلي صارم داخل اللوحة (=هندسة اللوحة) بأنها "خطة لاكتشاف مسار ما لنسفه وتفتيته لتجريب مفهوم ممكنات الانظمة فيما يبدو فوضى".
ثانيا، ضمن هذا التعقيد الفكري الذي تطرحه فهي لا تنسى ان اللوحة في النهاية سطح يحوي مادة تعبير فكان سطح اللوحة عندها وتنوع الخامات من "ضرورات توالد الاسئلة وحيرتها"، فيشكل كل عمل مشروعا لعمل تال بما يولد من تساؤلات، فكان "الوجد للمواد الخام والانقياد لطاقتها" مبررا المجازفة للتجريب المستمر في تجربة الرسامة.
ثالثا، لقد بنت الرسامة تجربتها كهندسة خارجية على حد مشترك في قياسات الاعمال وفي وحداتها الصغيرة الانشائية، بشكل يتجه من "اختزال المساحة الهندسية الى الوحدة الهندسية الصغيرة" مؤسسة على العدد (5) الذي يساوي الحرف (هـ)وهو الحرف الاول من اسم الرسامة هناء مال الله.
رابعا، جاءت محاولة هناء مال الله ضمن اتجاهها "لاستئناف حضارتها الشخصية وتاريخها الشخصي بواسطة تاريخها العراقي فظهرت انظمة متحفية تتخلل اعمالها" ، وكانت تلك (الانظمة المتحفية) تظهر حينا بوعي مدرك وحينا بوعي باطني.
لقد كتبنا عن الرسامة هناء مال الله عددا لا بأس به من المقالات وكان السؤال الاكثر الحاحا علينا هو: هل يمكن للمتلقي ان يتوصل الى (الرؤية المدونة) لهناء مال الله من خلال (الرؤيا البصرية) اي ان العمل المنجز على سطح اللوحة عندما يواجه المتلقي عاريا من كل الحوامل التي تقدمها الكتابة؟.
شاكر حسن آل سعيد في تجربة تخطيطات (الحرب و السلام)
وقد قدم شاكر حسن آل سعيد في تجربة تخطيطات (الحرب و السلام) باعتباره مطوية معرض، قدم رؤية متكاملة حول تخطيطاته عبرتواشج اللغوي و التشكيلي، فقد اصدر شاكر حسن آل سعيد ، عام 1986 ، كتاب (الحرب و السلام) حيث أعاد نشر تخطيطات سبق له ان ضمها لمعرض أقامه بنفس العنوان ، مضافا لها مقدمة شكلت رؤية نقدية بحثت ما تضمنه الكتاب من رؤية فنية.
ورغم ان النقد الفني يجب ان يكون معنيا بالمنجز المتحقق (= اللوحة) ، التي تشكل المنطلق الأول والأخير ، وليس تصريحات الفنان – المنظّـر عنه.
اقتباسات من شاكر نفسه حول الموضوع
، إلا أن موقفنا سيكون مختلفا بعض الشيء هنا ، فخلافا لغيره ، يتصف شاكر حسن آل سعيد بكونه واحدا من اكبر صناع الأساطير حول فنه، كما يقول الناقد سهيل سامي نادر، فآل سعيد أستاذ قدير في الرسم والتنظير معا ويمتلك قدرة على تـلبّس حالات متباينة في كل مرة ، مما يجعل تصريحاته تتصف بكونها رؤية نقدية من متلق فعال (= التجلي الثاني لشاكر حسن) يحاول إنجاز خطاب محايث للخطاب الفني (الذي أنجزه في تجليه الأول كرسام) ، وبذلك فهو يهدي الى مداخل مفتاحية تجاه تفهّم تجربته كرسام ، وبذلك تخدم هذه المنارات في تنبيه .
إننا هنا لا نحاول فقط استقراء التجربة الفنية بل ونحاول استقراء متعلقاتها النقدية ، والتي فصل شاكر حسن آل سعيد القول فيها في عدد من المقالات التي كتبها حول هذه التجربة ، وأهمها مقدمة كتاب (الحرب و السلام) والتي أكد فيها انه قد قلب منطق الأشياء حين طبع الكتاب مستبدلا النصوص اللغوية بنصوص مرسومة ، وكأنه يريد من القارئ ان يحاول قراءة الكتاب بحيث تؤدي الرسوم دور (مقاطع) قصيرة تحتوي نصوصا مدونة بأبجديات غير مألوفة هي تفاريق الخط متمثلة بالنقاط والخطوط المتقطعة والوحدات الزخرفية ، فكانت كل (تخطيطة) تعيش وجودها اللغوي من خلال (الأبجديات) التشكيلية ، من خلال تنوع معاني النقطة وتحولاتها الشكلية(= تفاريقها) من أعداد وخطوط وأسهم ونقاط متقاطعة ومتتابعة ،تصنع خطوطا جراء تحركها على بياض الورقة من طرف لآخر ، مؤلفة مكونات متحفه الأركولوجي الشخصي من كتابات و إشارات وأسهم ودوائر وما الى ذلك من لقى وحروف أبجدية مفروطة ، وبذلك فهو يحقق ( تصورا لغويا للموضوع التشكيلي) ، ويساهم في شحذ التمثل للمحورين المرئي (الحسي) و اللامرئي (الذهني) ، وبذلك فهو يحقق ما يسميه (المنطق في الشهود التأملي) حيث يتحقق التفاني ، وهو التعايش بين صور الكتابة وأبجديات الرسم ، أي بين منطقتي الشهودي / اللغوي و الشهودي / التشكيلي ، لتحقيق نوع من الانصهار في بنية العمل الفني.
ان التواشج الذي يحاول شاكر حسن تحقيقه بين الرسم والكتابة هو في حقيقته تواشج بين المؤلفات المرئية والمقروءة معا ، لأنتاج صيغة تحقق الاقتراب من حالة (الكتابة / الرسم) ، أي رفع الحدود بين مناطق استخدام (المواد الإنشائية) اللغوية ، وهو تواشج بين تقنيتين تقنية تتعامل مع التصورات الذهنية وهي القراءة والكتابة وتقنية تتعامل مع الإحساس البصري والأنفعال وهي الرسم بمواد الرسم وتقنياته وأشكاله ، بهدف الحضور في تفاني العالمين الفنيين (منطقة الحياد = التنافذ) ، حيث (لن تعود الأشكال (المشخصنة) أو المجردة سوى نقاط عبور للوصول الى الضفاف النائية ….ص 55 ، انه استبدال للنص المرسوم بالنص اللغوي ، نصوص مدونة بأبجديات مألوفة هي تفاريق الخط التي تحمل معنى الأنقطاعات في بنية الخط الممتدة نقاطا وخطوطا متقطعة ووحدات زخرفية ، وبذلك يلبس الموضوع تصورا لغويا (= الحروف والكلمات …….ص54) ، يمكن ان نعد تجربة الكولاج والحرف العربي جزء من هذا التوجه حيث تختزل الأشكال الطبيعية الى أشكال هندسية تشكلها مفردات أبجدية تشكيلية يبني بها منظومته.
خالد خضير الصالحي
لقد عرف كاسيرر الفن بانه لغة رمزية، وهيمن ذلك التعريف على الدراسات الفنية في القرن العشرين، فكان اخطر نتائج تلك الدعوة، حسبما ي}كد جورج كوبلر، ان استأثرت دراسات المعنى بكل الاهتمام، وتراجع تعريف الفن بكونه نظاما من العلاقات الشكلية، وهو التعريف الاهم برأينا، رغم انه مازال بعيدا عن ما الفه الناس، فقلما يعتقد سوى القلة من المختصين في الفن التشكيلي بافاقه الحداثية ان اللوحة ليست في النهاية الا سطحا مطلي بالمادة، اي الاقرار (بشيئية اللوحة) ومادية التعبير، وان جل ما يكتبه الرسامون في مطويات معارضهم في العراق ينصب في جانب المعنى بمختلف اتجاهاته، وهذه ، برأينا الخطورة الاولى في تلك الكتابات، كونها تكرس تناول المعنى على حساب متيريالية اللوحة.
وتتمثل الخطورة الثانية في اتجاه تحول كتابات الرسامين في مطويات معارضهم الى ما يؤدي الى بث موجهات قرائية متعمدة كما كانت تنتهي اليه كتابات شاكر حسن ال سعيد، وقد تتحول تلك الى موجهات قرائية دون قصد من الرسامين انفسهم حيث يقوم الكتاب بتناقلها كمسلمات مفروغ منها، كما يحدث في تناقل هؤلاء النقاد الفهم السائد بأن تجربة الرسام فيصل لعيبي لا تعدو ان تكون رسوما ذات طابع محلي لا يشكل سوى امتداد متاخر لجماعة بغداد وطروحاتها غافلين عن الابعاد البلاستيكية في هذه التجربة، وهو ما اخر اكتشاف كوامن تجربة فيصل لعيبي واكتفاء معظم الكتاب عن القشرة الفولكلورية لهذه التجربة وهو الامر الذي اثبتنا تقصيره في احدى محاضراتنا عن هذا الرسام.
ثالثا، لقد سرت قضية اختراع حوامل خادعة supports سرعان ما يقع فيها الرسام نفسه بطريقة الخداع الذاتي بعد ان يبدأ الكتاب بتناقلها العمياني، فيبدأ الرسام بتكرار ترديدها مما يعرض التجربة الى خطر التناسخ الداخلي الذي يجعلها تدور في فلك حلقة مفرغة تؤدي الى توقف ايقاع التحولات الاسلوبية فيها.
رابعا، لا يمكن نكران وجود رؤية فنية تنظيرية متكاملة لدى بعض الرسامين ممن يحاولون تطويرها من خلال معارضهم التي يقيمونها وينظرون لها في مطويات معارضهم، والامر هنا دقيق ، فيما اذا كانت التنظيرات والتجربة البصرية متساوقة حقا، ام ان ذلك ادعاء ليس الا.
نموذج اول
هناء مال الله وقاع منظومات التعبير الرمزية
بعد ان جسدت تجربة هناء مال الله قضية المثلثات المقلوبة باعتبارها وحدات تدوينية ظهرت في العصر الذي سبق اختراع الكتابة في حضارة وادي الرافدين فشكلت بظهورها في فخاريات سامراء وتل حسونة ، الوحدات التدوينية لذلك العصر بالارتباط مع نظام التربيع انتهت في معرضها الاخير الذي ننشر هنا نماذج منه فطرحت اربع فكر مهمة هي:
اولا، النظر الى تجربتها باعتبارها تمثل محاولة تجريبية تطرح من خلالها "احدى المسارات التي تتنافذ فيها المنظومات: منظومة الاشكال المرسومة مع منظومة الكتابة مع منظومة الاعداد"بهدف الوصول الى استنتاج بأن الرسم "في قاع كل المنظومات الرمزية" وتكون التجربة برمتها "محاولة ادراك للانظمة"، وهي تؤكد ان تجربتها ليست الا محاولة في قراءة بصرية للنظام في فوضى تراكم المنظومات وبالعكس. وتبرر التزامها بنظام شكلي صارم داخل اللوحة (=هندسة اللوحة) بأنها "خطة لاكتشاف مسار ما لنسفه وتفتيته لتجريب مفهوم ممكنات الانظمة فيما يبدو فوضى".
ثانيا، ضمن هذا التعقيد الفكري الذي تطرحه فهي لا تنسى ان اللوحة في النهاية سطح يحوي مادة تعبير فكان سطح اللوحة عندها وتنوع الخامات من "ضرورات توالد الاسئلة وحيرتها"، فيشكل كل عمل مشروعا لعمل تال بما يولد من تساؤلات، فكان "الوجد للمواد الخام والانقياد لطاقتها" مبررا المجازفة للتجريب المستمر في تجربة الرسامة.
ثالثا، لقد بنت الرسامة تجربتها كهندسة خارجية على حد مشترك في قياسات الاعمال وفي وحداتها الصغيرة الانشائية، بشكل يتجه من "اختزال المساحة الهندسية الى الوحدة الهندسية الصغيرة" مؤسسة على العدد (5) الذي يساوي الحرف (هـ)وهو الحرف الاول من اسم الرسامة هناء مال الله.
رابعا، جاءت محاولة هناء مال الله ضمن اتجاهها "لاستئناف حضارتها الشخصية وتاريخها الشخصي بواسطة تاريخها العراقي فظهرت انظمة متحفية تتخلل اعمالها" ، وكانت تلك (الانظمة المتحفية) تظهر حينا بوعي مدرك وحينا بوعي باطني.
لقد كتبنا عن الرسامة هناء مال الله عددا لا بأس به من المقالات وكان السؤال الاكثر الحاحا علينا هو: هل يمكن للمتلقي ان يتوصل الى (الرؤية المدونة) لهناء مال الله من خلال (الرؤيا البصرية) اي ان العمل المنجز على سطح اللوحة عندما يواجه المتلقي عاريا من كل الحوامل التي تقدمها الكتابة؟.
شاكر حسن آل سعيد في تجربة تخطيطات (الحرب و السلام)
وقد قدم شاكر حسن آل سعيد في تجربة تخطيطات (الحرب و السلام) باعتباره مطوية معرض، قدم رؤية متكاملة حول تخطيطاته عبرتواشج اللغوي و التشكيلي، فقد اصدر شاكر حسن آل سعيد ، عام 1986 ، كتاب (الحرب و السلام) حيث أعاد نشر تخطيطات سبق له ان ضمها لمعرض أقامه بنفس العنوان ، مضافا لها مقدمة شكلت رؤية نقدية بحثت ما تضمنه الكتاب من رؤية فنية.
ورغم ان النقد الفني يجب ان يكون معنيا بالمنجز المتحقق (= اللوحة) ، التي تشكل المنطلق الأول والأخير ، وليس تصريحات الفنان – المنظّـر عنه.
اقتباسات من شاكر نفسه حول الموضوع
، إلا أن موقفنا سيكون مختلفا بعض الشيء هنا ، فخلافا لغيره ، يتصف شاكر حسن آل سعيد بكونه واحدا من اكبر صناع الأساطير حول فنه، كما يقول الناقد سهيل سامي نادر، فآل سعيد أستاذ قدير في الرسم والتنظير معا ويمتلك قدرة على تـلبّس حالات متباينة في كل مرة ، مما يجعل تصريحاته تتصف بكونها رؤية نقدية من متلق فعال (= التجلي الثاني لشاكر حسن) يحاول إنجاز خطاب محايث للخطاب الفني (الذي أنجزه في تجليه الأول كرسام) ، وبذلك فهو يهدي الى مداخل مفتاحية تجاه تفهّم تجربته كرسام ، وبذلك تخدم هذه المنارات في تنبيه .
إننا هنا لا نحاول فقط استقراء التجربة الفنية بل ونحاول استقراء متعلقاتها النقدية ، والتي فصل شاكر حسن آل سعيد القول فيها في عدد من المقالات التي كتبها حول هذه التجربة ، وأهمها مقدمة كتاب (الحرب و السلام) والتي أكد فيها انه قد قلب منطق الأشياء حين طبع الكتاب مستبدلا النصوص اللغوية بنصوص مرسومة ، وكأنه يريد من القارئ ان يحاول قراءة الكتاب بحيث تؤدي الرسوم دور (مقاطع) قصيرة تحتوي نصوصا مدونة بأبجديات غير مألوفة هي تفاريق الخط متمثلة بالنقاط والخطوط المتقطعة والوحدات الزخرفية ، فكانت كل (تخطيطة) تعيش وجودها اللغوي من خلال (الأبجديات) التشكيلية ، من خلال تنوع معاني النقطة وتحولاتها الشكلية(= تفاريقها) من أعداد وخطوط وأسهم ونقاط متقاطعة ومتتابعة ،تصنع خطوطا جراء تحركها على بياض الورقة من طرف لآخر ، مؤلفة مكونات متحفه الأركولوجي الشخصي من كتابات و إشارات وأسهم ودوائر وما الى ذلك من لقى وحروف أبجدية مفروطة ، وبذلك فهو يحقق ( تصورا لغويا للموضوع التشكيلي) ، ويساهم في شحذ التمثل للمحورين المرئي (الحسي) و اللامرئي (الذهني) ، وبذلك فهو يحقق ما يسميه (المنطق في الشهود التأملي) حيث يتحقق التفاني ، وهو التعايش بين صور الكتابة وأبجديات الرسم ، أي بين منطقتي الشهودي / اللغوي و الشهودي / التشكيلي ، لتحقيق نوع من الانصهار في بنية العمل الفني.
ان التواشج الذي يحاول شاكر حسن تحقيقه بين الرسم والكتابة هو في حقيقته تواشج بين المؤلفات المرئية والمقروءة معا ، لأنتاج صيغة تحقق الاقتراب من حالة (الكتابة / الرسم) ، أي رفع الحدود بين مناطق استخدام (المواد الإنشائية) اللغوية ، وهو تواشج بين تقنيتين تقنية تتعامل مع التصورات الذهنية وهي القراءة والكتابة وتقنية تتعامل مع الإحساس البصري والأنفعال وهي الرسم بمواد الرسم وتقنياته وأشكاله ، بهدف الحضور في تفاني العالمين الفنيين (منطقة الحياد = التنافذ) ، حيث (لن تعود الأشكال (المشخصنة) أو المجردة سوى نقاط عبور للوصول الى الضفاف النائية ….ص 55 ، انه استبدال للنص المرسوم بالنص اللغوي ، نصوص مدونة بأبجديات مألوفة هي تفاريق الخط التي تحمل معنى الأنقطاعات في بنية الخط الممتدة نقاطا وخطوطا متقطعة ووحدات زخرفية ، وبذلك يلبس الموضوع تصورا لغويا (= الحروف والكلمات …….ص54) ، يمكن ان نعد تجربة الكولاج والحرف العربي جزء من هذا التوجه حيث تختزل الأشكال الطبيعية الى أشكال هندسية تشكلها مفردات أبجدية تشكيلية يبني بها منظومته.